للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[ثناء رسول الله على عمر، ورفق عمر بالنبي وهو في مرض الموت]

[السُّؤَالُ]

ـ[يقول عمر للنبي صلي الله عليه وآله وسلم: {إن الرجل ليحجر} يعني أن النبي ليحجر العياذ بالله في زمان قرب وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم، هذه رواية موجودة في کتاب صحيح البخاري باب قول المريض؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنا لم نر هذا الحديث بهذه الصيغة في شيء من النسخ الموجودة من صحيح البخاري، وقد ثبت عن عمر إجلاله للنبي ومحبته له صلى الله عليه وسلم ولآل بيته، كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل عمر رضي الله عنه عدة أحاديث، وثبت عن علي أخبار كثيرة في فضل عمر رضي الله عنهما وبيان منزلته ونحن سنذكر لك طرفاً من كل ذلك.

فقد ذكر السيوطي بعض الأحاديث الواردة في فضل عمر في تاريخ الخلفاء وبعضها في كتابه (الغرر في فضائل عمر) ، وهو كتاب جمع فيه أربعين حديثاً في فضائل عمر رضي الله عنه ...

ومن الأحاديث الثابتة في فضله قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

وقوله: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

وفي مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال فيه: والذي نفسي بيده؛ ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجا إلا سلك فجا غير فجك.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص، فمنها من يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر وعليه قميص اجتره. قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين. رواه البخاري.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني رأيت في النوم أني أعطيت عساً مملوءاً لبنا فشربت منه حتى تملأت حتى رأيته في عرق بين الجلد واللحم ففضلت فضلة فأعطيتها عمر بن الخطاب، فقالوا: يا نبي الله هذا علم أعطاكه الله فملأت منه ففضلت فضلة وأعطيتها عمر بن الخطاب، فقال: أصبتم. رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل فاستفتح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افتح له وبشره بالجنة. ففتحت له، فإذا أبو بكر فبشرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله، ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افتح له وبشره بالجنة. ففتحت له، فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله، ثم استفتح رجل فقال لي: افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه. فإذا عثمان فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله ثم قال: الله المستعان.. رواه البخاري.

وعن قتادة أن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال: اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان. رواه البخاري.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر. رواه البخاري.

وعن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة. قال السيوطي: حديث صحيح رواه الإمام أحمد وغيره ...

وقال الهيثمي في المجمع: عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب صدر عمر بيده حين أسلم ثلاث مرات وهو يقول: اللهم أخرج ما في صدر عمر من غل وأبدله إيماناً، يقول ذلك ثلاث مرات. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه. رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط ورجال البزار رجال الصحيح غير الجهم بن أبي الجهم وهو ثقة.

وعن ابن مسعود قال: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر. رواه الطبراني وإسناده حسن.

وعن طارق بن شهاب قال: كنا نتحدث عن السكينة تنزل على لسان عمر. رواه الطبراني.. ورجاله ثقات ...

وقد ثبت عن آل البيت رضي الله عنهم الثناء على عمر وتقديره، فمما ثبت في ذلك عن علي رضي الله عنه أنه زوجه بنته أم كلثوم وهي من بنات فاطمة رضي الله عنها، ومن ثناء علي على عمر رضي الله عنهما ما في الصحيحين عن ابن أبي مليكة قال: سمعت ابن عباس يقول: وضع عمر بن الخطاب على سريره فتكنفه الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه قبل أن يرفع وأنا فيهم قال: فلم يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي فالتفت إليه فإذا هو علي فترحم على عمر، وقال: ما خلفت أحداً أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك وذاك أني كنت أكثر أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فإن كنت لأرجو أو لأظن أن يجعلك الله معهما.

وعن علي قال: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر ما كنا نبعد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن السكينة تنطق على لسان عمر. رواه الطبراني في الأوسط، وقال الهيثمي: إسناده حسن.

وعن الزهري عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع أبو بكر وعمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين؛ إلا النبيين والمرسلين. رواه الترمذي وصححه السيوطي والألباني.

وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: سمعت غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وكان أحبهم إلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس.

وفي رواية عن ابن عباس أنه قال: شهد عندي رجال مرضيون فيهم عمر رضي الله عنه، وأرضاهم عندي عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس. رواها الإمام أحمد وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين..

وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: ٣٥٩٥٣، ٦٤٥٧٧، ٥٦١٩٤، ٣١٠٤٢، ٦٢٩٨٤.

وإنما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده، قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط، قال: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع.

والواضح من هذا أن عمر أراد الرفق بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد التحجير عليه، قال النووي في شرح مسلم: وأما كلام عمر رضي الله عنه فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره لأنه خشي أن يكتب صلى الله عليه وسلم أموراً ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها، فقال عمر: حسبنا كتاب الله؛ لقوله تعالى: مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ. وقوله: اليوم أكملت لكم دينكم. فعلم أن الله تعالى أكمل دينه فأمن الضلال على الأمة، وأراد الترفيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان عمر أفقه من ابن عباس وموافقيه. قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في أواخر كتابه دلائل النبوة: إنما قصد عمر التخفيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غلبه الوجع، ولو كان مراده صلى الله عليه وسلم أن يكتب ما لا يستغنون عنه لم يتركه لاختلافهم ولا لغيره؛ لقوله تعالى: بلغ ما أنزل إليك. كما لم يترك تبليغ غير ذلك لمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه، وكما أمر في ذلك الحال بإخراج اليهود من جزيرة العرب وغير ذلك مما ذكره في الحديث ...

وفي تركه صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر دليل على استصوابه، قال الخطابي: ولا يجوز أن يحمل قول عمر على أنه توهم الغلط على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ظن به غير ذلك مما لا يليق به بحال؛ لكنه لما رأى ما غلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوجع وقرب الوفاة مع ما اعتراه من الكرب خاف أن يكون ذلك القول مما يقوله المريض مما لا عزيمة له فيه فتجد المنافقون بذلك سبيلاً إلى الكلام في الدين، وقد كان أصحابه صلى الله عليه وسلم يراجعونه في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها بتحتيم كما راجعوه يوم الحديبية في الخلاف وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش، فأما إذا أمر بالشيء أمر عزيمة فلا يراجعه فيه أحد منهم. انتهى.

وقال الشيخ تقي الدين في المنهاج رداً على من طعن في عمر بسبب هذا: وأما قصة الكتاب الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يكتبه فقد جاء مبيناً؛ كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر.

وفي صحيح البخاري عن القاسم بن محمد قال: قالت عائشة: وارأساه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك، قالت عائشة: واثكلاه والله إني لأظنك تحب موتي فلو كان ذلك لظللت آخر يومك معرساً ببعض أزواجك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أنا وارأساه، لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ويدفع الله ويأبى المؤمنون.

وأما عمر فاشتبه عليه هل كان قول النبي صلى الله عليه وسلم من شدة المرض أو كان من أقواله المعروفة والمرض جائز على الأنبياء، ولهذا قال ما له أهجر فشك في ذلك ولم يجزم بأنه هجر والشك جائز على عمر فإنه لا معصوم إلا النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما وقد شك بشبهة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان مريضاً فلم يدر أكلامه كان من وهج المرض كما يعرض للمريض أو كان من كلامه المعروف الذي يجب قبوله ... والنبي صلى الله عليه وسلم قد عزم على أن يكتب الكتاب الذي ذكره لعائشة، فلما رأى أن الشك قد وقع علم أن الكتاب لا يرفع الشك فلم يبق فيه فائدة، وعلم أن الله يجمعهم على ما عزم عليه، كما قال: ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. ومن توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة علي فهو ضال باتفاق عامة الناس من علماء السنة والشيعة، أما أهل السنة فمتفقون على تفضيل أبي بكر وتقديمه، وأما الشيعة القائلون بأن عليا كان هو المستحق للإمامة فيقولون: إنه قد نص على إمامته قبل ذلك نصاً جلياً ظاهراً معروفاً، وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى كتاب ... انتهى.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٨ جمادي الأولى ١٤٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>