للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[تعنت الأب في تزويج بناته وأولاده قد يسبب لهم الضرر]

[السُّؤَالُ]

ـ[سؤالي يتعلق بموضوع الزواج ومعارضة الأهل له وما يجب مراعاته من جانب الأبناء.

باختصار شديد أنا اكبر الأولاد في أسرة تتكون من ٥ أولاد وبنتين إحداهما بكر العائلة (٢٦ سنة) وأنا أبلغ ال (٢٤ سنة) .

نشانا في أسرة محافظة وملتزمة دينيا فلم نر من آبائنا إلا كل خير وأبي شخص ملتزم ومتزن مع وجود بعض القسوة في تعامله معنا خاصة في الأمور المالية ولكن نحن كنا دائما ما نتقبل ذلك منه وعلى كل حال لم يحدث أن عصينا أمرا له في يوم من الأيام حتى أصبحت أحس كأنني مسلوب الإرادة فيما يخص قرارات حياتي إذ أنه يلقي قراراته في اتجاه واحد وإذا تجرأ أحد وأسمعه رأيا مخالفا لرأيه في موضوع ما إذا به يغضب عليه كل الغضب وفي غالب الأحيان لا يأخذ برأي غير الذي استقر له من آرائه.

ما جعلني اكتب حقيقة هو موضوع زواج أختي الكبيرة (٢٦ سنة) وهي طبيبة بشرية تخرجت بتفوق من جامعتها وهي الآن تزاول مهنتها التي تحبها وتتقنها، فقد تقدم لخطبتها اثنان من أبناء عمومتنا أحدهما متعلم والآخر غير متعلم، وعندما سألني أبي عن رأيي وقد كنت أعلم أخلاقهم الغير كريمة نسبة لتواجدهم معنا في منزلنا لفترة من الزمن قبل طلبهم هذا فقد كان ردي الرفض التام لما عرفت عنهم ولعدم التوافق الاجتماعي بينهم وبين أختي إذ يعملون في مجال التجارة وأيضا لخوفي من المشاكل الأسرية التي سيسببها هذا الزواج كان هذا رأيي أما رأي أختي فقد وافق رأيي تماما وعند هذه النقطة بالذات تفاجأت جدا لردة فعل أبي الذي نعتنا بالانتماء لأهل والدتنا وأننا نكره أهله وما إلى ذلك من الاتهامات التي لا أساس لها سكتنا ولم نعترضه لعلمنا بأن معارضته ستزيد من سوء الأمر.

المهم مضت أيام وشهور حتى ابلغ والدي أعمامنا رأينا وأن هذا الرأي لا يتفق مع رأيه ولكنه لن يستطيع إجبارنا على ذلك ولكن في المقابل تمسك ووضع رفضنا هذا في نفسه وأصبح يتعامل معنا على هذا الأساس فقد تقدم لأختي بعدهم شاب على خلق ودين ومتعلم وقد كان رد والدنا أنه لا يزوج ابنته لعبد؟ إذ أنه لا ينتمي لأسرة عربية خالصة.

المهم للمرة الثانية سكتنا ووافقناه ولم نعترض، وبعد عدة أشهر تقدم لأبي شاب أيضا على خلق ودين وميسور الحال فطلب أبي من أمي إقناع أختي به وأنا شخصيا كنت رافضا لهذا المبدأ ولكن بعد فترة من الزمن وجدت أختي قد وافقت عليه فقلت في نفسي خير وبركة، وبعدها ذهب أبي لأعمامي ليبلغهم بالموضوع فإذا بهم يكيلون له من الشتائم وأنه أصبح تحت إمرة زوجته (والدتي التي لا ناقة لها في الموضوع) وأن هذا الشاب ينتمي لقبيلة والدتي وما إلى ذلك.

أنا كنت متوقعا ردة فعلهم هذه ولكن ما لم أتوقعه هو أن تقنع والدي الذي أتى وبدلا من أن نحدد موعد الخطبة أصبح أبي يماطل في هذا الشأن وأرجأ الموضوع ل ١٠ أشهر حتى الآن بدون ذكر رايه لأهل هذا الشاب والآن انقضت المدة دون أن يرجع إليهم رأيا وما زال يماطلهم - حتى عندما سألته رد علي بإن لم يعجبهم الأمر فليذهبوا؟

حقيقة أنا أولا صدمت من طريقة تفكير والدي وهو متعلم وحاصل على ماجستير ويتلو القران ليل نهار وحتى أنه أحيانا يخطب في الناس؟

أنا في ظل هذه الظروف أصبحت أحس بتوتر شديد وقلق وأيضا أصبحت خائفا من مستقبلي ومستقبل إخوتي الذي سيخضع لنفس الشروط والآراء. والله إن لم ولن أعصي ربي فيما أمرني به من طاعة والدي في شيء وعسى ربي أن يهديني وإياه لخير من ذلك.

وأنا أبحث عن حل شرعي - ما رأي الشرع في مثل هذه المواقف؟

آخذين في الاعتبار أن المماطلة في أمور الزواج تؤدي إلى انتقاص قيمة الأسرة في المجتمع أيضا فرفض سريع خير من التأخر حتى إذا كان الرد بالموافقة بعد ذلك، وأنا أرى أن هذا العمر هو انسب عمر لزواج أختي ولا خير في تأخير زواجها لحسابات كلها أراها دنيوية إذ لم تراعِ رأي الشرع.

وجزاكم الله عنا كل الخير وهدانا وهداكم الله]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أحسنتم بحرصكم على بر والدكم هذا والإحسان إليه، ونوصيكم بالصبر على ما لا ترتضون من تصرفاته فيبقى هو الأب وإن حدث منه ما حدث، وأنتم الأبناء وإن تقدمت بكم السن، وراجع الفتوى رقم: ٦٩٠٦٦.

واما أمر الزواج فالمعتبر فيه دين من يتقدم للزواج وخلقه فلا ينبغي للولي أن يرفض خاطبا على هذا الحال؛ كما بيناه بالفتوى رقم: ٩٩٨، وفي المقابل لا يجوز للولي أن يرغم ابنته على الزواج ممن لا ترغب في الزواج منه على الراجح، ولاسيما إن كان هنالك مطعن في دين من تقدم لخطبتها أو خلقه، وانظر الفتوى رقم: ٧٦٥٥٩.

فالذي ننصحكم به أولا الصبر على والدكم ودعاء الله تعالى له أن يصلحه، وتذكيره بأن التعنت في أمر الزواج وتأجيله قد يضر بابنته هذه، ويمكن أن توسيط أهل الخير في ذلك فإن اقتنع فبها، وإلا فالأصل أن تطيعه ابنته في عدم الزواج من هذا الشاب، ولكن إن خشيت على نفسها الضرر وأن يفوتها أمر الزواج بسبب رده الخطاب، فيمكنها أن ترفع الأمر إلى المحكمة الشرعية فإن ثبت عند القاضي الشرعي عضل وليها لها زوجَّها القاضي أو وكل من يزوجها؛ كما هو مبين بالفتوى رقم: ٧٦٥٩٤، وينبغي الحرص على كسب رضا الوالد على كل حال.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٥ شوال ١٤٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>