للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[بيان فضل ماء زمزم]

[السُّؤَالُ]

ـ[هل ترون أن الموضوع في العنوان أدناه يحتاج إلى تعليق شرعي منكم، م لا يحتاج أي تعليق حسب رأيكم؟

http://www.qaradawi.net/arabic/books/fatawa-moasera/haj/q٠٥.htm]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد ثبتت فضيلة ماء زمزم في أحاديث كثيرة، وتوارث المسلمون تعظيمها من غير إنكار منكر ولا مدافعة دافع، فمن الأحاديث الثابتة في ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم، وغسله بماء زمزم، فتخصيص ماء زمزم دون غيره بغسل صدره الشريف يدل على فضله وبركته.

وفي صحيح مسلم: " إنها مباركة وإنها طعام طعم" فقوله صلى الله عليه وسلم إنها مباركة" يدل دلالة صريحة على بركتها وفضلها على سائر المياه، وغفلة الشيخ القرضاوي عن جملة "إنها مباركة" واقتصاره على جملة إنها "طعام طعم" سهو، وجل من لا يسهو.

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم "خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم: فيه طعام الطعم، وشفاء السقم" قال المنذري في الترغيب والترهيب ٢/٢٠٩، والهيثمي في مجمع الزوائد ٣/٢٨٦ رواه الطبراني في الكبير (١١/٩٨ ورواته ثقات، وابن حبان في صحيحه، وحسنه السيوطي في الجامع الصغير (مع فيض القدير) ٣/٤٨٩.

ومنها حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "زمزم طعام طعم، وشفاء سقم" رواه البزار بسند صحيح كما في الترغيب والترهيب

ومنها حديث جابر رضي الله عنه مرفوعاً: " ماء زمزم لما شرب له" رواه أحمد وابن ماجه والبيهقي، وحسنه ابن القيم في زاد المعاد ٤/٣٩٣ والحافظ الدمياطي في المتجر الرابح ٣١٨، وجود إسناده الزركشي في التذكرة ص١٥١، وقال ناصر الدين الدمشقي: حديث محكم ثابت. وقال الحافظ ابن حجر في جزئه عن ماء زمزم صـ ١٩٠: فمرتبة هذا الحديث عند الحفاظ باجتماع هذه الطرق يصلح للاحتجاج به. وقال أيضاً في تخريج الأذكار: الصواب أنه حسن لشواهده. كما نقله السيوطي في الحاوي ١/٣٥٣.

وقال السخاوي في المقاصد الحسنة ص٣٥٩ بعد نقل كلام شيخه ابن حجر قال: وصححه من المتقدمين ابن عيينة، ومن المتأخرين الدمياطي والمنذري. أهـ، وكذلك صححه السيوطي في حاشيته على سنن ابن ماجه، وقال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج ٤/١٤٣ الحديث حسن بل صحيح، كما قاله أئمة، وقال في حاشيته على مناسك النووي صـ"٤٠٤: والذي استقر عليه أمر محققي المحدثين أنه حسن أو صحيح، وهذا التحقيق منقول من كتاب فضل زمزم صـ٩٢

أما قول الشيخ عن الحديث نقلاً عن علماء الحديث: إن عبد الله بن المؤمل تفرد به، فقد استدرك على نفسه بقوله: قد رواه البيهقي من طريق آخر عن جابر رضي الله عنه، فلم ينفرد به عبد الله بن المؤمل، بل روي من طريق آخر عن جابر.

قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير " حديث ماء زمزم لما شرب له" رواه أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجه والبيهقي من رواية أبي الزبير عن جابر. قال البيهقي: تفرد به عبد الله بن المؤمل، قلت لا، بل توبع، وعبد الله هذا سيء الحفظ ضعفوه، وقال أبو محمد المنذري: هو حديث حسن. وأعله ابن القطان بتدليس أبي الزبير عن جابر. قلت: قد صرح بالتحديث في رواية ابن ماجه، وذكره الحافظ شرف الدين الدمياطي من حديث جابر وليس فيه عبد الله هذا، وقال: إنه على رسم الصحيح. ورواه الحاكم والدارقطني من رواية ابن عباس وقال: صحيح الإسناد إن سلم من رواية الجارودي، قلت: سلم منه فإنه صدوق، لكن الراوي عنه مجهول، وروى ابن الجوزي في كتابه الأذكياء أن سفيان بن عيينة سئل عن حديث "ماء زمزم لما شرب له" فقال: حديث صحيح. انتهى كلام ابن الملقن.

وهو كما ترى يدفع كلام الشيخ القرضاوي، ويبين مأخذ وحجة من صحح الحديث، وهم من ذكرنا من الأئمة، ولا ننكر أن من الأئمة من ضعفه، لكننا ذكرنا من صححه حتى لا يظن من قرأ كلام الشيخ أن تضعيف الحديث قول واحد.

وبما ذكرنا من أحاديث تبين فضل ماء زمزم وبركتها، يندفع كلام الشيخ القرضاوي: " ولعل هذا هو الحديث الفذ -يعني حديث "ماء زمزم طعام طعم، وشفاء سقم" - يمكن أن يستند إليه في زمزم ومائها، وأنها طعام وشفاء"

بل نقول: إن الأحاديث الواردة في فضلها كثيرة وقد ذكرنا بعضها آنفاً.

أما قول الشيخ عن حديث ابن عباس" ماء زمزم لما شرب له، إن شربته تستشفي شفاك الله، وإن شربته لشبع أشبعك الله، وإن شربته لقطع ظمأ قطعه الله"...قوله: الصحيح أن هذا الحديث من قول ابن عباس نفسه وليس مرفوعاً، وعزا هذا إلى الحافظ في التخليص، ثم قال: " وإذا كان هذا قول ابن عباس رضي الله عنهما فهو مجرد رأي شخصي رآه، لا يلزمنا اتباعه ولا الإيمان به معه"

فنقول: أما الجملة الأولى من حديث ابن عباس فقد صحت مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مر بيان ذلك، وأما الزيادة فهي -والله أعلم- تفسير وشرح للحديث المرفوع. فإن قيل: إن الشيخ يذهب إلى تضعيف الجملة الأولى منه، قلنا: وإن ذهب إلى تضعيفها، فإن قول ابن عباس لا يمكن أن يقال فيه إنه رأي شخصي، ذلك أنه مما لا مجال للرأي فيه، فإن فيه إخباراً عن فضيلة ماء زمزم وبركته، وأنه مما يستشفى به، وهذا مما لا يدرك بالعقل، فكيف يقال: إن ذلك رأي شخصي لابن عباس رضي الله عنهما!!

أما قوله (إن شرب ماء زمزم ليس من مناسك الحج وسننه) فقول غريب جداً إذ المنصوص عليه في المذاهب الأربعة أنه سنة من سنن الحج والعمرة، وإليك بعض نصوصهم التي تدل على ذلك:

١- مذهب الأحناف: جاء في المبسوط للسرخسي: وقد قال شيخنا الإمام رحمه الله تعالى: يستحب له - أي للحاج - أن يأتي الباب -يعني باب الكعبة- ويقبل العتبة، ويأتي الملتزم فيلتزمه ساعة يبكي ...ثم يأتي زمزم فيشرب من مائه، ثم يصب منه على بدنه.... ثم قال...فهذا بيان تمام الحج" انتهى محل الغرض منه.

٢-مذهب المالكية: جاء في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل: يستحب لمن حج أن يستكثر من ماء زمزم تبركاً ببركته" انتهى محل الغرض منه.

٣- مذهب الشافعية: قال الرافعي: "ويستحب الشرب من ماء زمزم" قال الحافظ في تلخيص الحبير: يعني للأثر فيه، وقع في آخر حديث جابر الطويل عند مسلم "ثم شرب من ماء زمزم بعد فراغه".

ولا يخفى أن حديث جابر -المشار إليه- هو في صفة حجه صلى الله عليه وسلم.

٤- مذهب الحنابلة: قال المرداوي في الإنصاف " ثم يأتي زمزم فيشرب منها لما أحب ويتضلع منه، بلا نزاع في الجملة".

فهذه بعض نصوص فقهاء المذاهب، وبها يتبين ما في عبارة الشيخ القرضاوي من الإجمال والتجوز.

وأما من تجرأ وقال: (وليعلم كل حاج أن التحاليل التي عملت على هذه المياه أثبتت أنها ملوثة تلوثا شديداً كيميائياً وبكتريولوجياً، مما يجعلها غير مأمونة صحياً) فهذا قول باطل يكذبه العلم والواقع المشاهد، فإن الأبحاث العلمية تثبت سلامتها ونقاءها، كما أن واقع المسلمين يحكي عشرات القصص الصحيحة لمن كان شفاؤهم بتناول هذا الماء المبارك.

وكذلك قوله (وأغلب الظن عندي أن مياه مجاري منازل مكة تتسرب عبر مسام طبقات الأرض إلى البئر....إلخ كلامه) فهذا من الظن المنهي عن اتباعه، لأنه يشكك المسلم في ما ثبت فضله وبركته، بل هذا كلام من لم يقدر هذه (الآية) حق قدرها.

نعم.. زمزم آية من آيات الله تعالى، في بركتها وخيرها ونفعها، وفي بقائها ودوامها وحفظ الله تعالى لها، وفي تدفقها وانتفاع الملايين بها في مكة وما جاورها، وانتفاع عامة الحجاج والمعتمرين الذين لا يحصهم إلا الله تعالى.

نسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله مشتبهاً علينا فنضل.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٧ ربيع الأول ١٤٢٢

<<  <  ج: ص:  >  >>