للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[سب الشيطان - رؤية شرعية]

[السُّؤَالُ]

ـ[هل يجوز سب الشيطان وهل يجوز السب والقذف مزاحا؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإننا لم نؤمر بلعن الشيطان ولم ننه عنه لأن لعنه أمر حاصل ومفروغ منه، فقد لعنه الله تعالى فقال: وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ [الحجر:٣٥] .

وقال تعالى: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً مَرِيداً* لَعَنَهُ اللهُ [النساء:١١٧] .

فالاشتغال بمثل ذلك لا يجدي، ولا يصرف كيده ووسوسته بل ربما يزيده تعاظماً، كما في حديث أبي المليح عن أبيه قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فعثر بعيري، فقلت: تعس الشيطان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقل تعس الشيطان فإنه يعظم حتى يصير مثل البيت ويقول: بقوتي صرعته ولكن قل: بسم الله فإنه يصغر حتى يصير مثل الذبابة. أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح، قاله: شعيب الأرناؤوط. قال الطحاوي: رحمه الله في كتابه مشكل الآثار: نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه بذلك موقع للشيطان أن ذلك الفعل كان منه ولم يكن منه، إنما كان من الله عز وجل وأمره أن يقول مكان ذلك: -بسم الله- حتى لا يكون عند الشيطان أنه كان منه عنده في ذلك فعل.

ولذا أمر الله تعالى بالاستعاذة بالله منه لأن ذلك هو السبيل الوحيد للتخلص من كيده ووسوسته، فقال: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت:٣٦] .

وقال: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:٩٨] .

ولم يرشد النبي صلى الله عليه وسلم من حال الشيطان بينه وبين صلاته إلى أن يلعنه، وإنما أرشده إلى الاستعاذة منه، ففي حديث عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أنه أَتَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللهِ إِنّ الشّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي. يَلْبِسُهَا عَلَيّ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزَبٌ. فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوّذْ بِاللهِ مِنْهُ. وَاتْفِلْ عَلَىَ يَسَارِكَ ثَلَاثاً". رواه مسلم.

وذلك أن سلطان الشيطان على بني آدم هو وسوسته إياهم وإيقاعه في قلوبهم ما يعود عليهم بالشر، وإنساؤه إياهم يعود عليهم بالنفع، ومن ذلك قوله تعالى حكاية عن صاحب موسى: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً [الكهف:٦٣] .

وقوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام: فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ [يوسف:٤٢] .

وأما السب والقذف فمحرم سواء كان جداً أم هزلاً وليس هذا من شأن المؤمن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذي. أخرجه أبو داود وصححه الألباني.

وفي الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: من الكبائر شتم الرجل والديه! قيل: أيشتم الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه.

فالواجب على المسلم أن ينزه لسانه من كل قول خبيث وأن لا يتكلم إلا بما فيه نفع له في دنياه وآخرته، وليعلم أن كل ما يقوله مكتوب ومحاسب عليه، قال تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [قّ:١٨] .

وقال تعالى: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:٨٠] .

وأما القذف فمن قذف محصناً أو محصنة ولم يأت بأربعة شهداء فقذفه يوجب عليه الحد، سواء كن مازحاً أو جاداً لقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:٢٣] .

وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:٤] .

فالحذر الحذر من ذلك، وليضبط الإنسان الكلمة في فمه قبل أن يخرجها لئلا تكون وبالاً عليه وسبباً لشقاوته في الدنيا والآخرة، فإن الرجل ربما يتكلم الكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب. عافانا الله تعالى والمسلمين.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٨ شوال ١٤٢٣

<<  <  ج: ص:  >  >>