للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[هجر الأخ أخاه إذا أتى كفرا وفسقا]

[السُّؤَالُ]

ـ[لدي أخ ما الحكم عليه إنه علا كثيرا وأسأل له الهداية وإن شاء الله تدعو له يا شيخ بالهداية والرجوع إلى الصراط المستقيم. فهو لا يحب الدين كثيرا، كلما تكلمت عن الإسلام كلما قهرني وهو يزني ويشرب الخمر والشيشة والتدخين، ويزني ويشاهد الأفلام الإباحية. وكان يبيع المخدرات والآن الله أعلم وكذلك في أحد المرات سب أمامي الرسول عليه الصلاة والسلام وكذلك الدين الإسلامي وسب الله سبحانه وتعالى. وهذه المرة الثانية التي يفعل فيها هذا، وفي المرة الأولى فعل نفس الشيء بالقول إن الله غير موجود الخ ولا يحترم حتى كلام أمي حيث عندما تنصحه يذهب ولا يتكلم معها مند مدة، ولا يصلي ودائما شديد الغضب معنا وخصوصا معي ولا يكون هكذا مع أصدقائه بل يكون لطيفا معهم. ليس لدي ما أقوله إلا أنني أطلب من الله سبحانه وتعالى أن يهديه.

وهذا يحزنني كثيرا ويعذبني وأصبحت أبغض هذا الأخ لسوء أخلاقه ولما يفعله ولا أعرف كيف أتعامل معه لأنه أخي وجاءني من صلة الرحم ومن قطع رحمه لا يدخل الجنة ولا تنزل رحمة الله عليه، ولو لم يكن أخي لابتعدت عنه غاية البعد فكيف أتعامل معه وهل إن قطعته فهل أرتكب كبيرة؟ وما الحكم الشرعي على ما يفعله؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله سبحانه أن يهدي أخاك هذا ويشرح صدره للإسلام, ويأخذ بناصيته إلى صراطه المستقيم.

واعلم – أيها السائل – أن ما فعله أخوك من سب الله تعالى وسب رسوله ودينه كفر أكبر مستبين لا خلاف فيه, ولا عذر فيه بجهل أو تأويل, فالواجب عليك أن تنصح له وتعلمه أنه بهذا الفعل قد فارق دين المسلمين, وكفر برب العالمين, وتأمره بتجديد الدخول في الإسلام, فإن استجاب فأعلمه بحرمة ما يقدم عليه من هذه الكبائر الموبقات من ترك الصلاة والعقوق والزنا وشرب الخمر, فإن لم يستجب لك فأعرض عنه واقطع علاقتك به واهجره في ذات الله جل وعلا. فمثل هذا لا تجوز مخالطته ولا معاملته ولو كان من الأرحام الأقربين, بل إن هجرانك له وقطيعته من القيام بحقه عليك.

جاء في تحفة الأحوذي عند الكلام عن صلة الرحم:..... والمعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة، وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة فإن كانوا كفارا أو فجارا فمقاطعتهم في الله هي صلتهم بشرط بذل الجهد في وعظهم، ثم إعلامهم إذا أصروا أن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المث لى. انتهى.

واعلم أن هجرك له من الطاعات العظيمة التي تقربك من الله سبحانه وتهديك إلى عرى الإيمان الوثيقة.

قال ابن عباس: أَحِبَّ فِي اللَّهِ, وَأَبْغِضْ فِي اللَّهِ , وَوَالِ فِي اللَّهِ , وَعَادِ فِي اللَّهِ , فَإِنَّهُ لا تُنَالُ وَلَايَةُ اللَّهِ إِلا بِذَلِكَ؛ وَلَا يَجِدُ رَجُلٌ طَعْمَ الإِيمَانِ وَإِنْ كَثُرَتْ صَلاتُهُ وَصِيَامُهُ حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ؛ وَصَارَتْ مُؤَاخَاةُ النَّاسِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا , وَإِنَّ ذَلِكَ لا يُجْزِئ عَنْ أَهْلِهِ شَيْئًا، ثُم قرأ: الأَخِلَاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَاّ الْمُتَّقِينَ. [الزخرف، آية: ٦٧] ، وقرأ: لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. {المجادلة: ٢٢} . انتهى.

وفي صحيح مسلم أن قريباً لعبد الله بن مغفل خَذَف فنهاه فقال: إنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نهى عن الْخَذْف وقال: إِنَّهَا لَا تَصِيدُ صَيْدًا وَلَا تَنْكَأُ عَدُوًّا وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ. قال: فعاد، فقال: أحدثك أن رسول الله نهى عنه ثم عُدْتَ تخذف لا أكَلِّمك أبداً.

قال النووي معلقا على حديث عبد الله بن مغفل: في هذا الحديث هجران أهل البدع والفسوق ومُنَابِذِي السنة مع العلم، وأنه يجوز هجرانه دائماً؛ والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا، وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائماً، وهذا الحديث مِمَّا يؤيده مع نظائر له كحديثِ كعب بن مالك وغيره. انتهى.

وجاء في صحيح البخاري: ودعا ابن عمر أبا أيوب فرأى في البيت سترا على الجدار فقال ابن عمر غلبنا عليه النساء فقال من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك والله لا أطعم لكم طعاما فرجع. انتهى.

وقال ابنُ حَجَر في الفتح: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلى أنه لا يُسَلَّم على الْمُبتَدِع ولَا الفاسق. انتهى.

وقال أيضا: وقال الْمُهَلب: تَرْكُ السَّلَامِ على أهلِ الْمَعَاصِي سُنَّة مَاضية، وبه قال كَثير من أهلِ العِلْمِ في أهل البِدَع.

وقال النووي في رياض الصالحين: بابُ تحريمِ الْهُجْرَان بينَ المسلمين إلَاّ لِبِدْعَةٍ في الْمَهْجُور أو تظاهر بِفِسْق أو نحو ذلك.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٢ رمضان ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>