للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[إزالة شبهة التعارض بين حديثين]

[السُّؤَالُ]

ـ[هل هناك تعارض بين الحديث الذي يرويه أبو برزة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع..الحديث..) وبين الحديث الذي يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام أو بما معناه: (يدخل من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب.....الحديث..) وهل كل من يسأل كما في الحديث الأول يعذب كما ورد في حديث آخر الذي بما معناه ( ... من نوقش الحساب يوم القيامة عذب..) وهل من تعلم العلم الشرعي أو غيره من العلوم النافعة سواء الكونية منها أو الدينية أي الشرعية أو علوم اللغة العربية هل من تعلمه وبلغه أو بلغ بعضه لأهله أي لزوجته وأبنائه فقط ولكنه لم يبلغه للناس أي لم يلق محاضرات أو دروس أو لم يعلم في مكان تعليمي وذلك لأن شخصيته ضعيفة ويستحيي من الناس ولا يحب الاختلاط معهم أيعد من الذين كان العلم حجة عليهم لا لهم ويسألون يوم القيامة ويحاسبون على ذلك، وهل تأليف الكتب ووضع علمه في الكتب ونشرها يجزئ عن التعليم والدروس, وجزاكم الله خيراً.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا تعارض بين الحديثين فحديث دخول السبعين ألفا بلا حساب مخصِّص لحديث شمولية الحساب، ففي فيض القدير للمناوي:

(ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب مع كل ألف سبعون ألفا) أراد بالمعية مجرد دخولهم الجنة بغير حساب وأن دخولها في الزمرة الثانية أو ما بعدها، وفي حديث جابر عند الحاكم مرفوعا من زادت حسناته على سيئاته فذلك الذي يدخل الجنة بغير حساب، ومن استوت حسناته فذاك الذي يحاسب حسابا يسيرا، ومن أوبق نفسه فهو الذي يشفع فيه بعد أن يعذب، وفي التقييد بأمته إخراج غيرها من الأمم من العدد المذكور، ثم إن هذا لا يعارضه خبر لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن علمه ما عمل فيه وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه لأنه وإن كان عاما لكونه نكرة في سياق النفي لكنه مخصوص بمن يدخل الجنة بغير حساب وبمن يدخل النار من أول وهلة، تنبيه هذا الحديث خص به خبر لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ـ الحديث. انتهى

وليس كل من يسأل يعذب فهناك من المؤمنين من يحاسب حسابا يسيرا وتعرض عليه ذنوبه فقط، وهناك من يناقش في الحساب فهذا هو الذي يعذب وهذا التعذيب أوضحه النووي قائلا: قوله صلى الله عليه وسلم (من نوقش الحساب يوم القيامة عذب) معنى نوقش استقصي عليه، قال القاضي وقوله عذب له معنيان أحدهما أن نفس المناقشة وعرض الذنوب والتوقيف عليها هو التعذيب لما فيه من التوبيخ، والثاني أنه مفض إلى العذاب بالنار، ويؤيده قوله في الرواية الأخرى هلك مكان عذب هذا كلام القاضي، وهذا الثاني هو الصحيح ومعناه أن التقصير غالب في العباد، فمن استقصي عليه ولم يسامح هلك ودخل النار، ولكن الله تعالى يعفو ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء. انتهى.

وتعليم العلوم الشرعية والكونية المفيدة التي تحتاجها الأمة فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الوجوب عن البعض الآخر، قال النووي في شرح صحيح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم (ليبلغ الشاهد الغائب) فيه وجوب تبليغ العلم وهو فرض كفاية فيجب تبليغه بحيث ينتشر. انتهى.

وفي فتح الباري لابن حجر: وفي الحديث من الفوائد أيضا وجوب تبليغ العلم على الكفاية وقد يتعين في حق بعض الناس. انتهى. وراجع الفتوى رقم: ٢٩٢١٤.

وبالتالي فإذا اقتصر الشخص على تعليم أهله وأولاده وتعذر عليه تبليغ العلم عن طريق الدروس فلا يكون العلم حجة عليه إن شاء الله تعالى.

وتأليف الكتب ونشرها لا يقوم مقام تبليغ العلم في حق من تعين عليه ذلك لأن الحصول على الكتب غير متاح لكل الناس، إضافة إلى أن الكثير من العوام يتعذر عليهم استيعاب ما في الكتب إن استطاعوا قراءتها.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٢ رجب ١٤٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>