للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[لا سعادة في زواج يعارضه أهل الزوجين.]

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا فتاة محتجبة ومثقفة وأبلغ من العمر ٢٦ سنة تعرفت على شاب منذ ٣ سنوات وحدثني أنه يريدني زوجة له على سنة الله ورسوله فصارحته بإعجابي بأخلاقه ودينه ولكن عائلتي سوف ترفض رفضا تاما لسبب وحيد أنني أنا من عائلة عريقة من المدينة أما هو عائلته تسكن في ريف مدينة أخرى يعني لسنا من نفس المستوى الإجتماعي وعائلته ترتدي اللباس التقليدي أما عائلتي تلبس اللباس المتحضر ولكنني دون أن أشعر تعلقت به فقد كنت أعمل معه في العطلة الصيفية لأنه يعمل أجيرا لدى أخي لما وجدت فيه من حسن وخلق ودين وطيبة قلب لم أجده في أحد فقد وجدت فيه نفسي وجدت معه الراحة والطمأنينة التي طالما بحثت عنها ووجدته يحمل نفس الطموح والأهداف التي أحملها وأبحثها في شريك حياتي وهي طاعة الله والتقرب منه وتربية أطفال منذ الصغر على سنة رسول الله.

وخلال هذه السنوات تقدم لخطبتي عدد من الشبان بعضهم متدين وبعضهم لا ولكنني لم أشعر بالراحة والطمأنينة لأي واحد فيهم وتمت خطبتي رسميا مرتين غصبا علي وإرضاء لعائلتي وباءت الخطبتين بالفشل وفي الفترة الأخيرة تشجع هذا الشاب وتقدم لخطبتي من أخي وكانت الكارثة وكأنه ارتكب جرما وانهالت علي عائلتي بالضرب والشتائم والدعاء علي وعليه بالشر وكيف يتجرأ ويتقدم لخطبتك إلى غير ذلك فسألوني عن رأيي فقلت أنا مقتنعة بدينه وأخلاقه وظروفه وموافقة إذا أنتم موافقون فأنا أرى فيه صفات الزوج الصالح ولا يهمني الفرق الاجتماعي فنحن كلنا مسلمون فجن جنونهم كيف أقول هذا الكلام وانهالوا علي بالضرب والشتائم واتهموني بالنفاق مع الله لأنني أريد ما لا يريده والداي وقالوا لي إذا أنت مصرة على رأيك وتريدين الزواج منه نحن مستعدون لتزويجك منه بشرط دون إقامة حفل وتخرجين من البيت دون عودة للأبد حتى إذا توفي أحد من العائلة وأنت ممنوعة حتى من زيارة قبورنا ونحن متبرؤون منك في الدنيا والآخرة فقلت لا،أريد أن أتزوجه بموافقتكم وإلا لا داعي لذلك وقدر الله فوق كل شيء وقد حلفتني أمي بالمصحف الشريف بأن لا أكلمه أبدا وأن لا أفكر فيه وأرادت كذلك تحليفي بعدم التزوج منه ما داموا حيين أو ميتين فامتنعت عن هذه الأخيرة وقلت لها مستحيل أن أحلف على مكتوبي فأنا لا أدري ربما يكون مكتوبي ويأتي يوم ويهديكم الله وتوافقون عليه.

مع العلم أن خالتي متزوجة أيضا من شاب من الريف منذ ٤٠ سنة وقد عارض أبي ذلك الزواج ومنع أمي من حضور حفل زفاف أختها وكان لا يزورها وعندما يأتون هم لزيارتنا يعاملهم معاملة غير حسنة، لذلك والدي وإخوتي يخافون كلام الناس وسوف يشمتون في أبي مما فعله منذ ٤٠ سنة مع العلم أن أبي الآن مريض لا يخرج من المنزل تقريبا منذ ٥ سنوات ولكنني أشعر بالظلم من طرف والدي يحرمونني الفرحة والسعادة مع الشخص الذي أريده خوفا من الناس وكلامهم وينسون الخوف من الله.

مع العلم كذلك أن والديه غير موافقين لأنهم كذلك يريدون تزويجه من منطقتهم لكي يضمنوا أنه لن يعيش بعيدا عنهم مع العلم أنه يسكن في مدينتنا منذ ٥ سنوات ويقول إنه لا يستطيع أبدا العودة للعيش في قريتهم مهما من تزوج.

هل هذا عقاب من الله عز وجل لأبي وما فعله في الماضي؟

وهل يستطيع الإنسان تغيير مكتوبه؟ فإن عائلتي تتهمني أن الله بعث لي مكتوبي وأنا رفضته من خلال رفضي وعدم تفاهمي مع أولئك الشبان الذين تقدموا لخطبتي.

وهل والدي آثمان برفضهم لهذا الشاب الذي هو على دين وخلق؟ لأن أمي تقول في بعض الأحيان لو كان ذا منصب ومال نجد ما نقوله للناس ولكن ماذا نقول للناس.

أليس الدين والخلق كافيين؟ أم نحن في زمن المنصب والمال والدين لا يهم يأتي في الأخير إن أتى أو لا يهم؟ ...

ما رأيكم في حلفاني بالضغط، هل يجب أن ألتزم بهذا الحلفان ما حييت؟ ولكنني أفكر فيه دون أن أشعر.

وهل أنا آثمة برفضي للحلفان الأخير؟

هل أمتثل لأمرهم وأنسى الموضوع للأبد أم أحاول أقناعهم ولا أقنط من رحمة الله؟]ـ

[الفَتْوَى]

خلاصة الفتوى:

لا يجوز لأبوي الفتاة رفض من قبلته إن كان مرضي الدين والخلق لغير مسوغ معتبر شرعا، ولا يجوز لهما رفض الموافقة بطرد البنت وهجرها.

ولكن الأولى والذي ننصحك به هو تقديم هواهما على هواك لممانعة أهل الفتى أيضا، ولا سعادة في زواج يعارضه أهل الزوجين.

وأما هل يأثم والداك لعدم رغبتهما فيه؟ فالجواب أنه لا إثم عليهما في عدم في الرغبة في ذلك الشاب ولكن يأثمان إن منعاك منه وكان كفؤا وأيضا موافقتها على هجرك وقطع الرحم بينك وبينهم.

ويمينك منعقدة إن لم يكن الضغط والإكراه ملجئا خيفة ما يترتب عليه من أذى ونحوه، ولا إثم عليك في عدم حلفك على أنه لن يكون قدرك في المستقبل ولا تفكيرك فيه دون قصد ولا حنث بذلك، وإنما المعتبر ما تعمده القلب وقصده.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يجوز لوالديك منعك ممن رضيت دينه وخلقه من أجل مسكنه أو عائلته أو غير ذلك، لكن ما دام أهل الشاب غير موافقين أيضا فلا ننصحك بالزواج منه لعدم رغبة أهلك فيه ولممانعة أهله، فإن تزوجتما على تلك الحال فستعيشان طريدين عن عائلتيكما ولا سعادة في ذلك، والرجال غيره كثير. فالأولى أن تعرضي عنه كما فعلت وتبحثين عن غيره من ذوي الدين والخلق. ولعل يرزقك خيرا منه بسبب طاعتك لأبويك وتقديمك لهواهما على هواك.

وأما المكتوب المقدر فلا يمكن للمرء تغييره وسيقع لا محالة، وقول أهلك (إنك رفضت مكتوبك) خطأ لأن هذا من أمر الغيب لا يعلمه إلا الله عزوجل، وإن كان مكتوبا فسيقع كما ذكرنا.

وأما هل يأثم والداك لعدم رغبتهما في ذلك الشاب صاحب الخلق والدين؟ فلا؛ لأن ما ورد من الحث على تزويج مرضي الدين والخلق محمول على الندب والإرشاد لا الوجوب كما قال المناوي وغيره، وإنما يأثمان بمنعك من الزواج منه إن رضيت به ودعوت إليه. وخطبتك من ذلك الشاب لا يمكن الجزم بكونها عقابا من الله لرفضه تزويج خالتك من مثله لأن رفضه قد لا يستحق عليه العقاب ولأن ذلك من أمر الغيب.

وأما يمينك فهي منعقدة ويلزمك الوفاء بها والبر، وإلا تفعلي تلزمك كفارة يمين، لكن التفكير فيه دون قصد وإرادة لا حرج فيه ولا حنث، كما لا إثم عليك في عدم حلفك على أنه لن يكون قدرك في المستقبل ولو بعد موتهما، لما ذكرت من تغير الأحوال وغيرها، وإن كان الإكراه هنا على اليمين ملجئ بسبب الخوف من العقوبة والأذى فاليمين غير منعقدة ولا حنث فيها.

ونصيحتنا لك أن تمتثلي أمر أبويك والسعي في مرضاتهما وتبحثي عن غير ذلك الشاب من أصحاب الدين والخلق وسيجعل الله لك من أمرك يسرا.

ولمزيد من الفائدة راجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: ١٩١٨٥، ١٣٢١٧، ٩٩٨، ٣٢٣٠٣، ٩٤٥٣٧.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٦ ربيع الأول ١٤٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>