للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[وسوس له الشيطان حتى أوقعه في اليأس من رحمة الله]

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا صاحب الاستشارة أو السؤال رقم: ٢٢٣٢٧٤٩. وصاحب السؤال رقم:.٢٢٣٥٤٦٢ والذي لم يرد عليه. ما أريد أن أعرفه بالضبط هل أنا كافر ويجب علي التوبة من جميع الذنوب حتى يقبل الله توبتي؟ وما الفرق بين هذا الكفر وبين طريقة كفر أخرى مثل السب والشتم للذات الإلهية؟ وهل أعذر بسبب مرضي وعدم قدرتي على دفعه ولو بجزء بسيط؟ والله يا شيخ لا أستطيع أن أتصور نفسي كافرا، أنا الآن بعد قراءة الفتوى أشعر أنني رجعت إلى نقطة الصفر في العلاج، حيث إنني أتعالج عند طبيب نفسي وأنا الآن أرفض فكرة الزواج نهائيا حيث تعهدت أن لا أتزوج أبدا لأنني أعتقد أنني لا أستحق الزواج. أرجو إفادتي من جميع الجوانب يا شيخ لأنني لا أستطيع الاحتمال لأن الاكتئاب في ازدياد عندي والله العظيم؟ ماذا أفعل حتى أكون كأني لو لم يحدث معي شيء من هذا القبيل؟ أنا والله ما فلعت شيئا ولا في نيتي أن أفعل شيئا كفرا أبدا، أنا لا أحب الكفر على الإطلاق ومع ذلك أحس أنني أكفر أهل الأرض، وأن فرعون وهامان وأبا جهل أدنى مني درجة في الكفر. وهل صحيح أن الله يختم على قلب من هو مثلي ويدخله النار لقوله تعالى: إن الذين آمنوا ثم كفر وا، ثم آمنوا ثم كفروا، ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا. وأنني من أصحاب النار لا محالة، ويجب علي حتى يقبل الله توبتي أن لا أفعل شيئا حراما قط، ولماذا لم يحصل هذا مع باقي الشباب الذين يمارسون هذه العادة القبيحة؟ لماذا أنا بالذات؟ أرجو أن تفيدني يا شيخ في هذا الموضوع بالله عليك؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فسبق أن بينا لك في الفتوى رقم: ١٢٢٩٨٨. أن الله سبحانه بعفوه ورحمته ومنه وكرمه لا يؤاخذك بمجرد تلك الوساوس ما لم يترتب عليها قول أو عمل، وأنك إذا كنت تكره هذه الأفكار الكفرية فهذا دليل على إيمانك.

وعلى ذلك فليس مطلوبا منك أن تتوب من الكفر، لأنك لست بكافر أصلا، وإنما المطلوب منك أن تتوب من الاستمناء.

وأما قبول التوبة من ذنب مع عدم التوبة من غيره، فقد سبق بيان أقوال أهل العلم فيه في الفتوى رقم: ١٢٢٢٤٦. فارجع إليها.

ومما سبق يتبين أن سؤالك عن الفرق بين هذا الكفر وبين طريقة كفر أخرى مثل السب والشتم للذات الإلهية لا وجه له؛ لأنك لم تقع في الكفر أصلا. وأنت معذور في هذه الوساوس؛ لأنها خارجة عن إرادتك، وقد بينا مرارا وتكرارا أنك لست مؤاخذا بها.

أما معصية الاستمناء فيجب عليك أن تتوب منها.

وأما رفضك للزواج فأنت مخطئ فيه، بل إن رفضك هذا من تلاعب الشيطان بك، فكما تلاعب بك بالوساوس الكفرية، وبإيهامك بأنك تسجد للحائط وليس لله، فهو يواصل التلاعب بك في صرفك عن الزواج، وإشعارك بأنك أكفر أهل الأرض وأنك أكفر من فرعون وهامان وأبي جهل، وأن الله يختم على قلبك ويدخلك النار لا محالة، ليصرفك عن طريق الإيمان بالكلية، فانفض عنك هذا الركام الشيطاني، وأقبل على ما ينفعك في دينك ودنياك، وإلا ستظل أسيرا لوساوس لا آخر لها. وتوكل على الله والجأ إليه، واستعذ به من الشيطان الرجيم. إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. {النحل: ٩٩} .

وأما قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا. {النساء: ١٣٧.} فاستشهادك به ليس في محله؛ لأن الآية في الكفر وليست في المعاصي. هذا أولا. وثانيا لأن الآية وردت فيمن كفر واستمر على كفره، ولم يتب حتى مات، أما من ختم حياته بالإيمان فإن الله يتوب عليه ولو تكررت ردته.

قال ابن كثير في تفسيره للآية: يخبر تعالى عمن دخل في الإيمان ثم رجع عنه، ثم عاد فيه، ثم رجع واستمر على ضلاله وازداد حتى مات، فإنه لا توبة بعد موته ولا يغفر الله له، ولا يجعل له مما هو فيه فرجا ولا مخرجا ولا طريقا إلى الهدى. اهـ

وإذا كان الكافر تقبل توبته قبل موته ولو تكرر منه الكفر، فقبول توبة العاصي الذي تكررت منه المعاصي أولى بالقبول.

قال الشيخ السعدي في تفسيره لها: ودلت الآية أنهم إن لم يزدادوا كفرا بل رجعوا إلى الإيمان وتركوا ما هم عليه من الكفران فإن الله يغفر لهم ولو تكررت منهم الردة، وإذ كان هذا الحكم في الكفر فغيره من المعاصي التي دونه من باب أولى أن العبد لو تكررت منه ثم عاد إلى التوبة عاد الله له بالمغفرة. اهـ

ثم ما أدراك أن هذا لم يحصل مع غيرك؟ بل قد ذكرنا في الفتوى المشار إليها أنه قد سبقت الإجابة عن مسألة شبيهة بمسألتك.

ولو فرضنا أنه لا يوجد غيرك مصاب بذلك، فهذا راجع إلى حكمة يعلمها الله جل وعلا، وهو سبحانه: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. {الأنبياء: ٢٣} .

وتحصن يا أخي بالأذكار عموما وبآية الكرسي، وبالمعوذات ودوام عليها، مع أذكار الصباح والمساء، وفي أدبار الصلوات وعند النوم.

وانظر الفتاوى الآتية أرقامها: ٥١٢٣٩، ٥١٦٠١، ٧٤٧١٨.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٢ رجب ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>