للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[إجماع المجامع الفقهية المعاصرة على حرمة التأمين]

[السُّؤَالُ]

ـ[الشيخ الفاضل ... أما بعد:

اعلم أولا وقبل كل شيء أني أحبك في الله وأسأله تعالى أن يجزيك الخير كله إنه سميع مجيب الدعاء، أخي الحبيب أنا أخوكم من العراق اسمي مصطفى محمد من مواليد ١٩٦٨ حاصل وبفضل من الله تعالى على شهادتي بكالوريوس الأولى في الهندسة الميكانيكية والثانية في اللغة الإنكليزية متزوج ولي ولدان ميس (بنت عمرها ٩ سنوات) وعبد الله (عمره ٧ سنوات) أعيش مع أبي وأمي وأختي الوحيدة في بيت واحد ذلك لأنني الولد الوحيد لأبويِ وأن ذلك يستدعي أن أعيش معهم لأعينهم بعد الله تعالى في حياتهم.

أخي الكريم ... أكتب إليك لأستشيرك وأسألك بعد الله تعالى أن تجد لي حلا يرضاه الله عز وجل سائلا إياه أن يجعلك سببا في خلاصي من هذه المعاناة التي رافقتني سنين طوال مشكلتي هي أن أبي يعمل ومنذ سنة ١٩٧٣ في قطاع التأمين الحكومي حتى أحيل على التقاعد سنة ١٩٨٩ ليبدأ بالعمل مرة أخرى في هذا المجال ولكن على حسابه الخاص واستمر بهذا العمل لغاية سنة ١٩٩٣ حيث بدأ هذا النوع من العمل بالاضمحلال نتيجة للحصار الاقتصادي الذي كان يمر به البلد آنذاك اضطر حينها أن يغلق المكتب الذي كان يعمل فيه واتجه ليعمل في سوق المواد الغذائية (حيث كان يشتري المواد الغذائية من أسواق الجملة ليقوم ببيعها على محلات المفرد وكان يكسب ما يمكنه على إعالة عائلته الصغيرة ولا أخفيك أن هذا النوع من الأعمال لا يلائم شخصا كبيرا في السن فهو عمل يتطلب جهدا كبيراً) وفي سنة ١٩٩٨ سافر إلى اليمن ليعمل مستشارا في شركة تأمين تابعة للقطاع الخاص حيث كان الغرض من سفره هو لجمع المال الذي يمكن أبي من شراء دار سكن كنا نفتقر إليها حيث كنا نسكن في بيت مؤجر وقد طلب منا صاحب البيت أن نتركه لذا قرر أبي السفر إلى اليمن لكي يتمكن من جمع الأموال اللازمة لشراء دار سكن وفعلا بعد رجوعه من السفر قمنا ببناء دار سكن واستمر أبي يعمل في قطاع التامين لكن هذه المرة بصفة مدير مفوض لشركة تأمين عراقية تابعة للقطاع الخاص وإلى الآن الشيخ الكريم علمت ومن مصادر عديدة أن التأمين التجاري المعمول به الآن حرام شرعا ولا أخفيك سيدي الفاضل إن هذه الحرمة مختلف فيها بين العلماء ومع ذلك يبقى الأمر مشبوها ومن الأفضل الابتعاد عن الشبهات وكما قال نبيينا محمد صلى الله عليه وسلم فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام أخبرت أبي بأن عليه أن يسأل عن حكم الشر ع في التأمين ولقد نوهت له عن حكم الشرع في التأمين ولقد كان حينها في اليمن فبعث لي برسالة مفادها بأنه غير مقتنع بما أخبرته وأصبح يردد حينا بأن التأمين ليس فيه شيء وحينا آخر إن التأمين فيه شبهة ربوية ناتجة عن تعامل الشركة مع البنوك غير الإسلامية كما هو الحال في كل البلاد العربية إلا أنه يقول في النهاية بأن ليس عليه شيء لأنه مجرد موظف.

أخي الكريم..... بالمناسبة أنا أعمل في شركة هواتف نقالة وكما أخبرتك في البداية بأني أسكن مع أبي وأمي في نفس البيت ولأني الولد الوحيد لهما لم يكن بإمكاني الاستقلال في بيت لوحدي مع زوجتي وأطفالي أضف لذلك الناحية المادية التي كانت سببا آخر لبقائي مع والدي حيث لا يمكن أن أستقل ودخلي الشهري محدود

أنا الآن بين نارين لا أدري ماذا أفعل كيف أعيش مع والدي والحال كما علمت لا أستطيع تركهم لا أريد أن آكل نارا ولا أريد ذلك لأبي وأمي وكل عائلتي فالطعام مشترك بيننا لا بل يتحمل أبي النصيب الأكبر من مصاريف البيت، فماذا عساي أفعل؟

ختاما أسالك بعد الله تعالى النصيحة والمشورة وجزاكم الله خيراً.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أجمعت المجامع الفقهية المعاصرة على حرمة التأمين التجاري بأنواعه، وقد نقلنا شيئاً منها في الفتوى رقم: ٧٣٩٤ والفتوى رقم: ٤٧٢، والفتوى رقم: ٨٢١٥.

وما ذهب إليه بعض العلماء من جواز هذا النوع من التأمين خلاف قول الجمهور، وليس كل خلاف لقول جماهير العلماء معتبراً حتى يكون للمخالف دليل له حظ من النظر، قال الناظم:

وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلاف له حظ من النظر

ولقد تتبع العلماء (وعلى رأسهم المجامع الفقهية) فوجودوا أن القائلين بالجواز قد تمسكوا بأدلة هي أوهن من خيط العنكبوت، وإن شئت فراجعها في كتاب/ معاملات مالية معاصرة، للأستاذ الدكتور محمد عثمان شبير (حفظه الله) .

ولو أن كل خلاف حصل من بعض العلماء لجماهيرهم اتخذ ذريعة لمخالفة رأي الجمهور دون نظر في أدلته، لأدى ذلك إلى ضياع الدين، والاستهانة بأحكامه، لاسيما في قضية خطيرة كقضية التأمين لاتصالها الوثيق بالربا الذي حرمه الله وتوعد فاعله.

وقد ذكرت أن أباك يقول إن حرمة التأمين مبناها أن الشركات القائمة عليه تتعامل مع البنوك الربوية، والحق أن التأمين محرم لذاته لما فيه من الغرر الفاحش، المؤدي لأكل أموال الناس بالباطل، وتعامله مع البنوك الربوية وصف يؤكد هذه الحرمة على قول من حرم التأمين (الجمهور) وينشيء الحرمة على قول من أباحه.

وبهذا تعلم أنه لا يجوز لوالدك العمل في هذا المجال، ويجب عليه ترك العمل فوراً، وما أنفقه والدك من راتب اقتضاه من هذا العمل في الماضى في حاجاته وحاجات من يعول، فنرجو أن لا يكون عليه فيه شيء إذا تاب منه، كما بيناه في الفتوى رقم: ٢٢٩٢ أما المال المتبقي فالواجب عليه التخلص منه، كما بيناه في الفتوى المشار إليها.

ومن رحمة الله تعالى أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها، وأن الحرج في دينه مرفوع، كما قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج: ٨٧} .

فقد أباح الله تعالى للمضطر ارتكاب ما نهي عنه بقدر ما يسد ضرورته، فقال تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: ١١٩} .

وقال: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْه {البقرة: ١٧٣} .

فإذا كان والدك لا يجد ما يكفيه ومن يعول إلا أن يعمل في هذا المجال، فلا نرى عليه في ذلك إثماً بشرط أن يجتهد في سبيل الحصول على عمل آخر مباح، وأن يتخلص من المال الزائد على حاجته، ولا شك أن شراء المسكن لمن لا يقدر على الاستئجار من الضرورات المعتبرة شرعاً.

أما بالنسبة لك، فإذا كان راتبك الذي تتقاضاه لا يكفيك ومن تعول مع عجزك عن القيام بعمل آخر يسد حاجتك فلا مانع من الأكل من مال أبيك بقدر حاجتك، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: ٤٩٠٠٦، ٢٣٨٦٠.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٣ رجب ١٤٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>