للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[مسائل حول الوسوسة والأيمان وخروج دم الرعاف]

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا شاب عمري١٧ سنة، قد أرسلت لكم سؤالا منذ فترة عن الوسواس وقد أجبتوني- وجزاكم الله خيراً- والآن أحس براحة ولله الحمد، حيث نصحتموني أن أقوي إرادتي، وقد استخدمت الحلف كثيرا ولكت كنت أحنث رغما عني حيث حلفت كثيرا لكي لا ألتفت للوسواس ولا أدري كم مرة حلفت مثل: والله عندما أذهب لأتوضأ فسأتوضأ ولا أقطع الوضوء، ومثل: والله إذا كبرت للصلاة فلن أقطع الصلاة، وأشكال كثيرة، وأحيانا كثيرة أحنث بسبب الوسوسة حيث يقول لي الشيطان: لو حلفت كثيرا وحنثت بسبب الوسواس فسيفتيك الشيخ بكفارة واحدة كما قرأت عن فتوى. وهكذا ضعفت إرادتي قليلا، تطور الأمر، فصرت أحلف على المصحف، ولكن أكثر من مرة يغلبني الوسواس. ولا أعرف كيف أكفر عن كل هذه الأيمان؟

ثم تطور الأمر، فصرت أقول: إذا كنت أحب الله فلن أزيد في الوضوء عن ثلاث مرات. ووجدت نتيجة ولكن قد يغلبني أحيانا إلى أن وصلت إلى مرحلة، وإلى الآن لم يستطع أن يغلبني الوسواس وهي أن أقول: إن كنت مؤمنا بالله تعالى فلن أعيد الصلاة. ووجدت نتيجة ممتازة.

وإن شاء الله سأتخلص من الوسواس القهري نهائيا ولكن أريد أن أخلع جذور المرض، وعندي بعض الأسئلة أرجو أن تجيبوا عليها وجزاكم الله خيرا لمساعدة مسلم ليعبد الله على بصيرة:

١- هل دم الرعاف الكثير يبطل الوضوء أو الصلاة أو الصوم؟

٢- لو دخل دم الرعاف إلى الحلق بقصد أو بدون قصد أو أي دم. فهل هذا يبطل الوضوء؟

٣- عندما أكون متوضئا أخاف أن أمسك الأشياء خوفا من أن يكون بها نجاسة، وخاصة أنه كان يوجد طفل يمسك بأشياء كثيرة في البيت، فهل لو صليت وفي يدي قليل من النجاسة فهل صلاتي صحيحة؟

٤- كيف أكفر عن الأيمان التي كثرت بسبب الوسواس، وهل الحلف في قلبي بدون تلفظ بسبب أنني أكون في الحمام معتبر أم لا؟

٥- لو قلت: إن كنت أحب الله فلن ألتفت للوساوس ثم غلبني الوسواس فهل أكفر؟

٦- عندما أكون متوضئا أخاف أن آكل شيئا قد يدخل فيه لحم الإبل الذي ينقض الوضوء لحم الإبل فقط، ولا يدخل فيه اللبن أو المرق أو أي شي متعلق به؟

أرجو أن تجيبوا عن الأسئلة جميعها باختصار حتى لا أكون قد أطلت عليكم، فما زال عندي أمل للتعافي من هذا المرض الذي استمر طويلا، وأنا السنة القادمة- بإذن الله- سأدخل الجامعة وأريد أن يصلح حالي؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يمن عليكَ بالشفاء والعافية من هذا الداء العضال، وقد بينا ما يجبُ على الموسوس فعله ليتخلص من مرض الوسوسة، وذلك في الفتوى رقم: ٥١٦٠١.

والذي ننصحكَ به أن تعرض عن الوسواس جملة وتفصيلاً، وأن تزيد من تقوية إرادتك، فما دمت قد قطعت شوطاً في العلاج فهذه بشارة خير، وعلامةٌ على أن العلاجَ ممكنٌ ويسير، وأن حل المشكلة في يدكَ أنت، فاستعن بالله وأعرض عن الوسواس، ونحنُ واثقون أنك ستنجح في التعافي إن شاء الله، وننصحكَ أن تُراجع أحد الأطباء الثقات، امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتداوي.

وليس من العلاج أن تحلف على ترك الوساوس، ولا أن تضعَ هذه الجمل الشرطية: إن كنت أحب الله فلن أفعل، إن كنت مؤمناً فلن أفعل، فإن هذه ربما تزيدُ من الوسوسة، بل العلاج هو ما ذكرناه لك، فاجتهد في فعله وتطبيقه، وفقك الله لما فيه الخير.

وأما الأيمان التي سبقت منك فما كان منها يميناً في القلب لم يلزمكَ به شيء، لأن اليمين لا ينعقد إلا بالتلفظ به باللسان، لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها مالم تعمل أو تكلم. رواه البخاري وغيره.

وما كان منها باللسان ثم حنثت فيه، فالأيمان المتعددة على شيءٍ واحد فيها كفارة واحدة لما رواه عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: إذا أقسمت مراراً فكفارة واحدة.

وأما إن كان المحلوف عليه أشياء متعددة، فعليك الكفارة عن كل يمينٍ حنثت فيها في قول الجمهور خلافاً لأحمد رحمه الله، فإن مذهب الحنابلة أنه لا تجبُ إلا كفارة واحدة، إن تعددت الأيمان وتعدد المحلوف عليه، ما لم يكفر، قال ابن قدامة في المغني: وإن حنث في الجميع قبل التكفير، فعليه في كل يمين كفارة، هذا ظاهر كلام الخرقي. ورواه المروذي عن أحمد، وهو قول أكثر أهل العلم، وقال أبو بكر: تجزئه كفارة واحدة، ورواها ابن منصور عن أحمد، قال القاضي: وهي الصحيحة. وقال أبو بكر: ما نقله المروذي عن أحمد قول لأبي عبد الله، ومذهبه أن كفارة واحدة تجزئه، وهو قول إسحاق، لأنها كفارات من جنس، فتداخلت، كالحدود من جنس، وإن اختلفت محالها، بأن يسرق من جماعة أو يزني بنساء. انتهى. والصحيح قول الجمهور.

وإن شككت في عدد الأيمان التي حنثت فيها، فاعمل بغلبة الظن، بحيثُ تتحرى قدر الأيمان التي حنثت فيها ثم تكفر عنها، وكفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مُد من طعام، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن عجزتَ فعليك صيام ثلاثة أيامٍ عن كل يمين.

وأما قولك: إن كنت أحب الله فلن أفعل. ثم فعلت، فليس هذا بكفر، لأنكَ لا تشك في محبتك لله عز وجل، وإنما تريد حمل نفسك على ترك ما تريدُ تركه، وقد ذكرنا لكَ أن هذه ليست طريقة للعلاج، وقد رأيت ما أوقعتكَ فيه من الوسوسة عافاك الله.

وأما بالنسبة لسؤالك عن دم الرعاف، ففيه خلافٌ مشهور بين أهل العلم، والراجح أن خروج الدم من أي جزء من أجزاء البدن سوى السبيلين لا ينقضُ الوضوء، وهذا قول مالك والشافعي.

وأما دخول الدم إلى الحلق فلا نعلم أحداً من أهل العلم قال بنقض الوضوء به، ولكن لا يجوزُ تعمد ابتلاعه لأنه نجس.

وأما خروج دم الرعاف أثناء الصلاة، فإن كان يسيراً فإنه لا يبطلها لأن الدم اليسير يُعفى عنه في الصلاة، لقول أبي هريرة رضي الله عنه: كانوا لا يرون بالقطرة والقطرتين من الدم بأسا، وأما إن كان كثيراً مُتفاحشاً عُرفا، فيجبُ الخروج من الصلاة، وإزالة هذا الدم ثم استئنافها من جديد، وأما إذا خرج دم الرعاف أثناء الصوم، فذلك لا أثر له في صحة الصوم، ولا نعلم خلافاً في ذلك بين العلماء.

وأما خوفك من الإمساك بالأشياء خشية أن يكون بها نجاسة، فهو من جملة ما أنت مصابٌ به من الوسواس، فاعلم أن الأصل في الأشياء الطهارة، ولا حرج عليكَ في الإمساك بأي شيء لم تتحقق أن النجاسة قد وصلت إليه، وأما صلاتك وفي يدك نجاسة فلا تجوز، بل إذا تيقنت أن في يدك نجاسة فالواجبُ عليك أن تغسلها ثم تصلي.

وأما انتقاض الوضوء بأكل لحم الإبل، فهو مذهب أحمد، خلافاً للجمهور وهذا القول قويٌ في الدليل كما قال النووي رحمه الله، وأما ألبان الإبل وكذا المرق فالصحيح أن الوضوء لا ينتقض بها، لأنها ليست في معنى اللحم الذي ورد فيه النص.

وإذا لم تتيقن أن ما أكلته من لحم الإبل، فالأصل أن الوضوء باقٍ على صحته لم ينتقض، لأن اليقين لا يزول بالشك.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٤ ربيع الثاني ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>