للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[حكم بذل المال في الصلح]

[السُّؤَالُ]

ـ[أعمل بالخارج فى دولة قطر ولي صديق مقيم معي فى نفس الغرفة وقد سرقت نقود لي عدة مرات، وذات مرة سرقت نقودي وكانت كل الأدلة ضده، فواجهته أنا وأصدقاؤه ولكنه أنكر وأقسم بأغلظ الأيمان أنه ليس هو السارق، وعند تهديده بأنني سأبلغ الشرطة أنهار واعترف أنه السارق، بالعلم أن السرقة كانت منظمة جدا ـ أقصد باحتراف ـ فعندما سألته عن من سرق الفلوس السابقة أنكر وأقسم أنه ليس هو، فجلسنا أنا وأصحابي وأصحابه فى السكن ـ جلسة عرب ـ وقد اختار أحد أصدقائنا للحكم بيننا وقد رضيت بذلك، فحكم بيننا بأن يدفع هذا السارق مبلغ: ١٠٠٠ ريال بالإضافة إلى المبلغ المسروق، نظيرا لخيانته الأمانة والصداقة، وقد وافق هذا السارق على هذا الحكم، وأنا أيضا وافقت عليه، فهل هذه الغرامة المحكوم بها لي الحق فى أن آخذها؟ وهل هي حلال أم حرام؟.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كانت الغرامة التي حكم بها الحكم مقابل خيانة صديقك لأمانة الصحبة وحق الجوار ونحو ذلك، فلايجوز لك أخذها والحكم بها باطل وليس لك عليه أكثر مما سرقه منك، أما إن كان رد بعضه وأنكر بعضا كما قد يفهم من السؤال وكان الصلح بينكما عن إنكاره لباقي ما سرق منك، فلا حرج عليك في أخذ الألف صلحا عن ذلك ـ سواء أكان أقل أو أكثر ـ إذ الصلح خير والتحكيم جائز.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ الصُّلْحِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْأَثَرُ وَالِاتِّفَاقُ، فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ. إلخ.

جاء في العناية شرح الهداية: وَإِذَا حَكَّمَ رَجُلَانِ رَجُلًا لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا وَرَضِيَا بِحُكْمِهِ جَازَ، لِأَنَّ لَهُمَا وِلَايَةً عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَيَصِحُّ تَحْكِيمُهُمَا وَإِذَا حَكَمَ لَزِمَهُمَا. انتهى.

ويجوز التحكيم في الأمور المالية ونحوها، جاء في درر الحكام: يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي دَعَاوَى الْمَالِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ النَّاسِ.

وجاء في الحاوي: لَوِ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فَصَالَحَهُ مِنْ دَعْوَاهُ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: يَجُوزُ الصُّلْحُ مَعَ الْإِنْكَارِ، اسْتِدْلَالًا بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ {النِّسَاءِ: ١٢٨} .

وَلِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَا وَقَى الْمَرْءُ بِهِ عِرْضَهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُسْتَحَبُّ لِبَاذِلِهَا وَتَحِلُّ لِآخِذِهَا فَهَكَذَا الصُّلْحُ.

وَلِأَنَّهُ بَذَلَ مَالًا فِي الصُّلْحِ مُخْتَارًا فَصَحَّ كَالْمُقِرِّ بِهِ، وَلِأَنَّهُ مُدَّعٍ لَمْ يُعْلَمْ كَذِبُهُ فَصَحَّ صُلْحُهُ كَالْمُقَرِّ لَهُ.

والله أعلم..

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٣ رمضان ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>