للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[إحرام حجاج الطائرة القادمين من تونس]

[السُّؤَالُ]

ـ[رأيكم في هذه الفتوى, الرجاء الإجابة في أقرب وقت للانتفاع بها خاصة وأني إن شاء الله قاصد الحج لهذه السنة

جواز إحرام الحجيج التونسيين من جدّة

تردد النظر بين إلحاق حكم راكب الطيارة بحكم راكب السفينة إذا كان محل نزوله بأرض الحجاز متجاوزًا ميقات الإحرام المعين لأهل أفقه.

فروى ابن نافع عن مالك: لا يحرم الحاج في السفينة. وهذا يحتمل وجوب النزول إلى الميقات: وفيه مشقة ينبغي نفيها عن الدين. ويحتمل أن يريد أنه يرخص له تأخير الإحرام إلى النزول إلى الأرض.

وروى في النوادر عن محمد بن المواز، قال مالك: من حج في البحر من أهل مصر وشبههم، يحرم إذا حاذى الجحفة اهـ. وظاهره أن ذلك حكم إحرامه، ولا يجوز له تجاوز سمت المحاذاة غير محرم بالنية والتجرد من مخيط الثياب.

وفصل سند فقال: إن كان المسافر في البحر محاذيا للبرّ، مثل السفر في بحر القلزم، أحرم إذا حاذى ميقات أفقه، لأنّه يمكنه النزول إلى البر ليحرم من ميقاته (أي بدون مشقة. لأنّ البر قريب) ويجوز تأخير الإحرام للمشقّة، لكن عليه هدي، لأن التأخير رخصة، والرخصة تدفع الإثم في التجاوز ولا تسقط وجوب الهدى.

وأما من سافر في بحر لا يحاذى الشواطئ، مثل بحر الهند وبحر اليمن وبحر عيذاب، فيجوز له تأخير الإحرام ولا هدي عليه. لأنّه إذا جاز له التأخير انتفى وجوب الهدي، حتى يدلّ دليل على وجوب الهدى مع جواز التأخير، ولا دليل عليه. فلا يحرم حتى يصل إلى البر. إلا أن يخرج على البرّ أبعد من ميقات أفقه اهـ ووافقه القرافي في الذخيرة، وابن عرفة، والشاذلي، وابن فرحون في شرح ابن الحاجب وفي مناسكه. قال الحطاب: وشاهدت الوالد يفتي به غير مرة اهـ.

وأقول: الحق أنه لا يحرم حتى ينزل إلى البرّ، لأن تكليف النزول في أثناء السير لأجل الإحرام مشقة. وتكليفهم الإحرام في السفينة مشقّة أيضًا لطول مدّة التجرّد ولوازم الإحرام.

أمّا المسافر في الطائرة فهو لا يمرّ بالأرض أصلاً، ولا يتصوّر فيه إمكان النزول قبل الوصول إلى المنازل الملائمة لنزول الطيارة، فلا يتصوّر فيه إمكان النزول حتى يرخّص له التفادي عنه بالإحرام في الطيارة: لأنّ الإحرام في الطيارة مشقة ومضرّة. لشدّة برودة الجو، ويحتاج إلى التدثر بالثياب، وفي الغالب لا يوجد في ثياب الإحرام ما يصلح للتدثر.

هذا، وأما موقع الإحرام في صور من لا يحرم حتى ينزل إلى البرّ، ففي شرح الحطاب عن سند: لا يرحل الحاج من جدّة إلا محرّمًا، لأن جواز التأخير إنما كان للضرورة. وهل يحرم إذا وصل البرّ، أو إذا ظعن من جدّة؟ الظاهر إذا ظعن، لأنّ سنة من أحرم وقصد البيت أن يتّصل إهلاله بالمسير اهـ.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالفتوى التي جئت بها تميل إلي أن الحاج المسافر جوا من بلاد تونس ونحوها يؤخر إحرامه حتى وصوله إلى جدة ولا يحرم عند محاذاته للميقات، وهذا خلاف المعتمد عند أصحاب المذاهب الأربعة حيث اعتبروا محاذاة الميقات كافية لإيجاب الإحرام على مريد الحج أو العمرة فقالوا إن الحاج يحرم عند محاذاته للميقات سواء كان مسافرا في بر أو بحر ففي دقائق أولي النهي ممزوجا بإرادة المنتهي وهو حنبلي:

وَمَنْ لَمْ يَمُرَّ بِمِيقَاتٍ) مِنْ الْمَذْكُورَاتِ (أَحْرَمَ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وُجُوبًا (إذَا عَلِمَ أَنَّهُ حَاذَى أَقْرَبَهَا) أَيْ الْمَوَاقِيتِ (مِنْهُ) لِقَوْلِ عُمَرَ " اُنْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَسُنَّ لَهُ أَنْ يَحْتَاطَ) لِيَخْرُجَ مِنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَذْوَ الْمِيقَاتِ أَحْرَمَ مِنْ بَعْدُ؛ إذْ الْإِحْرَامُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ جَائِزٌ وَتَأْخِيرُهُ عَنْهُ حَرَامٌ. انتهي

وفي تحفة المحتاج ممزوجا بشرح المنهاج وهو شافعي:

(وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا) فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ يَنْتَهِي إلَى مِيقَاتٍ فَهُوَ مِيقَاتُهُ , وَإِنْ حَاذَى غَيْرَهُ أَوْ لَا أَوْ (لَا يَنْتَهِي إلَى مِيقَاتٍ, فَإِنْ حَاذَى) بِالْمُعْجَمَةِ (مِيقَاتًا) أَيْ سَامَتَهُ بِأَنْ كَانَ عَلَى يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا أَمَامَهُ أَوْ خَلْفَهُ (أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهِ) , فَإِنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَضْعُ الْمُحَاذَاةِ اجْتَهَدَ وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَظْهِرَ لِيَتَيَقَّنَ الْمُحَاذَاةَ, فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ تَعَيَّنَ الِاحْتِيَاطُ. انتهى. ...

وفي البحر الرائق شرح كنز الدقائق وهو حنفي:

وَمَنْ كَانَ فِي بَرٍّ, أَوْ بَحْرٍ لَا يَمُرُّ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ الْمَذْكُورَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ إذَا حَاذَى آخِرَهَا وَيُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ. انتهى.

والمذهب المالكي في المسألة تقدم تفصيله في الفتوي رقم: ٣٤١٦٤، وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثالث بعمان بتاريخ ٨ إلى ١٣ صفر سنة ١٤٠٧ الموافق لـ ١١ إلى ١٦ أكتوبر سنة ١٩٨٦ صدر القرار بوجوب الإحرام على مريدي الحج أو العمرة إذا حاذوا أحد المواقيت وهم في الطائرة.

وعليه فالحاج المسافر في الطائرة يحرم إذا حاذى ميقاته المحدد شرعا فإذا أمكنه التجرد من المخيط مع نية الإحرام فعل ذلك، وإن شق عليه التجرد من المخيط اقتصر علي نية الإحرام التي لا يعجز عنها فالحاج أو المعتمر لا يحق له مجاوزة الميقات إلا وهو محرم كما تقدم في الفتوى رقم: ٥٧٢٥٢.

ومن لبس ثوبا مخيطا أثناء إحرامه فعليه دم أقله شاة تذبح في الحرم وتوزع على الفقراء هناك. وراجع الفتوى رقم: ١٥٢٢٥. وللفائدة راجع الفتوى رقم: ١٥٠٠٦.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٤ ذو القعدة ١٤٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>