للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[لم تعطه أمه مالا مع حاجته فهل يأخذه بالحيلة]

[السُّؤَالُ]

ـ[أمي ورثت عن والدها نصيبا في منزل. مشتري المنزل بخس سعره حتى وصل نصيب أمي ٧٠ ألفا، طلبت منها أن تساعدني بمبلغ من المال فأنا رجل متزوج وعندي التزامات مع العلم أنني كم وقفت معها هي وإخوتي ماديا ومعنويا وكنت أحتسبه كله عند الله. رفضت بحجة أنها تريد أن تشتري لها شقة لأنها لم تعد تطيق العيش مع والدي فاتفقت معها أنني سأحاول أن أتفاوض مع المشتري وأرفع السعر بشرط أنها ستساعدني ووافقت فوفقني الله وأصبح المبلغ ٢٥٠ ألفا، وعندما طلبت منها مساعدة رفضت وعندما ذكرتها باتفاقنا قالت إنها لم تكن تنوي إعطائي شيئا ولم تخبرنى بذلك حتى أزيد لها المبلغ فتوسلت إليها أنني بحاجة ماسة إلى مساعدة مالية لظروف الحياة القاسية فقالت لي بقسوة إن هذا لا يعنيها وإنها تريد أن تستمتع بباقي أيامها بهذا المبلغ الكبير وتشتري كل ما يحلو لها وفعلا أخذت المبلغ وتركت أبي وحيدا وظلت تصرف بمنتهى السفه (أكل وشرب وملابس ورحلات) نصحني الكثير أنها يجب الحجر عليها ولكنني كنت أخاف كلام الناس مع العلم أن أمي جاهلة وأمية ولا تحسن التصرف في أي موقف وليست بحاجة إلى هذا المبلغ الكبير وأبى طلب منها أن تعود إلى البيت وأن نساعد ابننا الذي طالما وقف معنا ولم يمنع عنا أي شيء في مقدوره، وأن ما تفعله حرام ويغضب الله، ولكنها رفضت وقالت له إنها لم تعد بحاجة إليه وإنها ستعيش حرة تفعل ما تريد وكيفما تريد ولن يتحكم بها أحد بعد الآن. ويعلم الله كم أنا في ضائقة مالية الأن وعندي التزامات كثيرة وأنا لم أكن سآخذ منها مبلغا كبيرا بل أي شيء يساعد في المعيشة.

وسؤالي الآن أن والدى قال لي إنه يستطيع أن يأخذ منها مبلغا معينا عن طريق الحيلة وإنه سوف يعطيه لي، وقال إن هذا حقك ولا تخف من الله فهى امرأة سفيهة وأنا غضبان عليها لأنها تركتني وهي التي غدرت بك لأنها لم تصرح لك عن نواياها الخبيثة وتركتك تستزيد لها في المبلغ حتى تصرفه على نفسها ونسيت كم أنت وقفت بجوارها وكنت خير الابن الصالح وأن واجبها أن تقف بجوارك وتساعدك وهذا يدل على أنها لم تعد تدرك تصرفاتها، فأنت لم تغضبها قط ولم تؤذها فى شيء حتى يكون هذا جزاءك. مع العلم أن أبي إذا أخذ هذا المبلغ منها لن يضرها هذا في شيء بل سيحل لي مشاكل كثيرة، فهل أوافقه على ذلك؟ ساعدوني بالله عليكم فأنا في حيرة من أمري ولا أستطيع أن أفكر في شيء. ... ]ـ

[الفَتْوَى]

خلاصة الفتوى:

يجب البر بالأم ولو لم تكن تراعي مشاعر الابن وأحاسيسه، ولا يجوز أخذ مالها عن طريق التحايل.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن وصف نوايا الأم بالخبيثة يتنافى مع برها. وكون الواصف لها بهذا الوصف هو الوالد لا يبرر لك أنت حكاية ذلك من كلامه؛ لأنه لا يخفى ما ستكون عليه من الاستياء لو قرأت هذه الحكاية.

واعلم أن واجبك هو بر أمك والإحسان إليها على كل حال؛ لأن الله تعالى أمر بذلك في قوله سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا {الإسراء: ٢٣} . وقوله سبحانه: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا {الأحقاف: ١٥} إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجوب بر الوالدين.

ولتعلم أن عقوقها من أعظم الكبائر، قال صلى الله عليه وسلم: حين سئل عن الكبائر قال: الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين. متفق عليه.

ومهما فعلت الأم فإن حقها في البر والإحسان لا يسقط، فقد أمر الله عز وجل الولد بمصاحبة والديه معروفا وهما مشركان، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:١٥} .

واعلم أن جميع ما ذكرته من الوقوف معها ماديا ومعنويا –مع أنه من واجبك- فإنه أيضا لا يمكن أن يقاس بما عانته هي من الحمل بك والإرضاع والحضانة وغير ذلك مما لا يستطاع حصره ...

وفيما يخص موضوع سؤالك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه" رواه أحمد وأبو داود.

وبناء عليه، فهذا الذي يريد أبوك أن يفعله من أخذ مبلغ منها عن طريق الحيلة، ويعطيه لك لا يجوز؛ لأن أخذ المال عن طريق الحيلة إذا لم يكن سرقة أو غشا أو خديعة، فإن أدنى مراتبه أن يكون أخذا له بغير طيب نفسها به، وقد علمت ما في ذلك. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٧ محرم ١٤٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>