للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[أحكام بيع الجهالة]

[السُّؤَالُ]

ـ[قامت الحكومة باستملاك مساحة واسعة من الأرض (ولا ندري هل عوضت أصحابها وهل كان التعويض مناسباً – فقد سبق للحكومة استملاك أراض مرتفعة الثمن مقابل مبالغ بخسة) ثم قامت بشق الطرقات وإيصال الخدمات من ماء وكهرباء وهاتف وصرف صحي، وأعلنتها منطقة خاصة بالصناعة، قسمتها إلى عدد كبير من القطع الصغيرة ذات مساحات متشابهة ٤٥٠-٦٠٠-٩٠٠ م٢ وحددت السعر البدائي للمتر المربع الواحد بـ ٩٠٠ ليرة وهو سعر مشجع وغير مرتفع يشكل الكلفة الفعلية للمتر بما فيها مبلغ بدل الاستملاك ومبالغ أعمال البنية التحتية وفوائد القروض إن وجدت والفوائد التي تتحملها الجهة المستملكة عن أي من المبالغ المذكورة

ثم أعلنت الحكومة عن بيع مجموعة من القطع، يتم شراء القطعة بالطريقة التالية وبالتسلسل المذكور بموجب عقود بالتراضي وفق السعر البدائي القابل للزيادة والنقصان، ويمنع على المشتري بيعها قبل بنائها والبدء باستثمارها بنوع الصناعة المحددة لها:

١- يتقدم الراغب بالشراء بطلب يحدد فيه مساحة القطعة من الأرض التي يريد شراءها فقط، ودون أن يحق له تحديد أي قطعة بالذات يريد شراءها.

٢-يدفع ٤% من قيمتها البدائية بما لا يقل عن ٣٠ ألف ليرة كمبلغ تأمين يعتبر جزءاً من قيمة القطعة وهو مبلغ غير قابل للاسترداد في حال الإخلال ببقية الشروط أو التأخر في تسديد الأقساط، حيث تعاد المبالغ المدفوعة للناكلين بالشراء عدا هذا المبلغ.

٣- يحدد موعد لتوزيع القطع على المتقدمين فيدفع كل واحد منهم تتمة ثلث ثمن الأرض (بعد أن دفع ٤%) .

٤- يخصص المتقدم بقطعة أرض محددة يختارها من بين القطع المعروضة، ويتم التخصيص وفق الدور التالي:

أ -الذين يعملون تحت قانون خاص بالاستثمار (سبق إصداره من قبل الحكومة) .

ب -الذين لديهم منشآت صناعية ويرغبون بنقلها إلى المنطقة الجديدة.

ت -الصناعيون الجدد.

٥- يتم زيادة سعر الأرض بنسبة لا تتجاوز ٢٥% من قيمتها البدائية بحسب موقعها (على شارع عريض – أو زاوية بين شارعين) ، أويتم إنقاص ثمنها (إذا كان موقعها غير جيد – مثلاً على شارع ضيق)

٦- يتم تسديد المبلغ المتبقي خلال خمس سنوات تدفع على عشرة أقساط نصف سنوية "مع زيادة سنوية بسيطة مقدارها ٥%".

*- يستثنى من الدور ويتم التخصيص فوراً في حال دفع كامل قيمة القطعة نقداً ويعفى من الزيادة السنوية البسيطة ٥% عن المبلغ المتبقي.

والسؤال: ما حكم شراء قطعة أرض من هذه القطع نقداً، وما حكم شرائها بالتقسيط؟

وما حكم الشراء إذا أجبرت الحكومة أصحاب بعض الصناعات على أن تكون صناعتهم ضمن هذه المنطقة حصراً.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا عرف أن الحكومة قد ظلمت أصحاب الأرض ولم تعطهم حقوقهم فلا يجوز شراء قطاع الأرض منها لما في ذلك من إعانتها على الإثم والعدوان المحرمين بقوله تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. {المائدة الآية٢} ، بل المطلوب نصيحتها لترد الحقوق إلى أهلها أو تعوضهم بما يرضيهم، وإذا عرف عدم ظلمها لهم فلا حرج في الشراء منها.

وأما الشراء بالطريقة المذكورة فلا يصح لأمرين:

الأول: فيه بيع العربون وهو ممنوع عند أكثر أهل العلم.

والثاني: الجهالة في الجزء المشترَى، وقد جاءت الشريعة بحرمة بيع المجهول لما يفضي إليه من الخصام والشقاق.

وإليك التفصيل:

أما عدم صحة بيع العربون عند أكثر أهل العلم فلأدلة استندوا إليها قد ذكرناها في الفتوى رقم: ٥٣٨٧.

وأما عدم صحة بيع الجهالة فلنهي النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، ومنها ما في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة، وكان بيعا يتبايع به أهل الجاهلية، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها. ومن أسباب النهي عن هذا البيع الجهالة التي تفضي إلى الشقاق والخصام والظلم؛ كما صرح به النووي وغيره من شراح الحديث، وهي متحققة هنا، فإنه قد يكون نصيب الشخص في مكان لا يرغب فيه مطلقا، وقد اشترط عليه أيضا أنه لو رفض ذهب ماله الذي دفعه مقدما فيقع عليه الظلم، وقد نص جماعة من أهل العلم على بطلان بيع جزء محدد بالذرع ونحوه لا بالمكان من أرض أو دار، قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: وإن باعه ذراعا من الدار، أو عشرة أذرع منها، يريدان بذلك قدرا غير مشاع، لم يصح. وقال بعد ذلك بقليل: وإن اتفقا على أنهما أرادا قدرا منها غير مشاع، لم يصح البيع. وإن كانا لا يعلمان ذرعان الدار لم يصح، لأن الجملة غير معلومة، وأجزاء الأرض مختلفة فلا يمكن أن تكون معينة ولا مشاعة.

وأما بيع جزء مشاع منها كربعها أو ثمنها دون تحديد جزء يعين بعد ذلك فيجوز ويملك جزءا من كل جزء منها وهذا معنى قولهم: مشاع.

ولو أجبرت الحكومة أصحاب الصناعات على أن تكون محلاتهم في ذلك المكان حصرا فهي المتحملة للوزر إذا لم يمكنهم التخلص من ذلك.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٢ جمادي الثانية ١٤٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>