للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[النار والشجرة اللتان رآهما موسى بطوى]

[السُّؤَالُ]

ـ[ما المقصود بكلمة النار التي وردت في القرآن في سورة طه والقصص؟ وما المقصود بالشجرة التي وردت في نفس الآيات المذكورة وفي سورة النور؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد قال تعالى: إِذْ رَأى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً {طه:١٠} . وقال عز وجل: فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ*فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {القصص:٢٩، ٣٠} .

قال ابن كثير: لما أتاها رأى منظرًا هائلا عظيمًا، حيث انتهى إليها والنار تضطرم في شجرة خضراء، لا تزداد النار إلا توقدًا، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة ونضرة، ثم رفع رأسه فإذا نورها متصل بعنان السماء. قال ابن عباس وغيره: لم تكن نارًا، إنما كانت نورًا يَتَوَهَّج. وفي رواية عن ابن عباس: نور رب العالمين. فوقف موسى متعجبًا مما رأى، فنودي أن بورك من في النار. قال ابن عباس: أي قُدّس {وَمَنْ حَوْلَهَا} أي: من الملائكة. قاله ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة. انتهى.

وقال القرطبي: قال ابن عباس ومحمد بن كعب: النار نور الله عز وجل، نادى الله موسى وهو في النور، وتأويل هذا أن موسى عليه السلام رأى نورا عظيما فظنه نارا.انتهى.

وقال البغوي: قال أهل التفسير: لم يكن الذي رآه موسى نارا بل كان نورا، ذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه نارا، وقال أكثر المفسرين: إنه نور الرب عز وجل، وهو قول ابن عباس وعكرمة، وغيرهما. انتهى.

وقال الشنقيطي: أكثر أهل العلم على أن النار التي رآها موسى نور، وهو يظنها ناراً. وفي قصته أنه رأى النار تشتعل فيها وهي لا تزداد إلا خضرة وحسناً.

وأما الشجرة فقال البغوي: قال ابن مسعود: كانت سَمُرة خضراء تبرق. وقال قتادة ومقاتل والكلبي: كانت عَوْسَجَة. قال وهب من العُلَّيق. وعن ابن عباس: أنها العنَّاب.

وجاء في حاشية المحقق: السمرة: شجرة من العضاه، جيد الخشب. والعوسج شجرة من فصيلة الباذنجيات شائكة الأغصان. والعليق نبات شائك معرش من فصيلة الورديات، ثمره أحمر وربما كان أصفر، وله نوى صلب مستدير. انتهى.

وأما الشجرة في سورة النور، ففي قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {النور:٣٥}

قال ابن الجوزي في زاد المسير: {من شجرة} أي من زيت شجرة، فحذف المضاف، يدلُّك على ذلك قوله: {يكاد زيتها يضيء} والمراد بالشجرة هاهنا: شجرة الزيتون ... وإِنما خُصَّت بالذِّكْر هاهنا دون غيرها لأن دُهنها أصفى وأضوأ.

وقال ابن كثير: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ} أي: يستمد من زيت زيتون شجرة مباركة {زيتونة} بدل أو عطف بيان.. اهـ

وقال الشوكاني في فتح القدير: الزيتون من أعظم الثمار نماء، وقال الحسن: ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا، وإنما هو مثل ضربه الله لنوره، ولو كانت في الدنيا لكانت إما شرقية وإما غربية. قال الثعلبي: قد أفصح القرآن بأنها من شجر الدنيا، لأن قوله: {زَيْتُونَةٍ} بدل من قوله: {شَجَرَةٍ} .

وقال السعدي: أي: يوقد من زيت الزيتون الذي ناره من أنور ما يكون.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢١ محرم ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>