للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[النفور من الوساوس من علامات الإيمان]

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا كنت معروفا أني متدين ولكن داهمني إحساس بالوسواس وهو أني -والعياذ بالله- أتعجب كلما أعرف أن الله سبحانه وتعالي موجود، وأ نه يرانا ويعرف الغيب، وأشعر أنني نسيت الله. هل هذا حرام؟ وهل يؤدي إلى أمراض نفسية أرجو من فضيلتكم الرد؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالوسوسة وحديث النفس شيء يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، ومن فضل الله تعالى ورحمته أن تجاوز عن ذلك ما لم يعمل به أو يتكلم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم. رواه البخاري ومسلم.

وكره العبد وخوفه ونفوره من هذه الخواطر والوساوس الشيطانية، علامة على صحة الاعتقاد وقوة الإيمان، فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.

قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك. انتهى. وراجع في ذلك الفتاوى الآتية أرقامها: ٧٩٥٠، ١٢٣٠٠، ١١٧٩٣٥.

فعليك ـ أخي الكريم ـ أن تبعد عن نفسك هذه الوساوس ولا يستدرجنك الشيطان، وأكثر من الدعاء واللجوء إلى الله تعالى ليصرفها عنك، وأكثر من ذكر الله واشغل نفسك بما ينفعك في أمر دينك ودنياك. وقد سبق لنا بيان سبل التخلص من الوسوسة في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: ٣٠٨٦، ٦٠٦٢٨، ٢٠٨١، ٧٨٣٧٢.

وأما مسألة وجود الله تعالى فهي أثبت الحقائق وأظهرها، وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل، وكيف يشك العاقل في وجود خالقه، وكل هذا الكون بنظامه ودقته من دلائل وجوده، بل الإنسان نفسه بما فيه من عجائب الخلق وإتقانه أحد هذه الشواهد، كما قال تعالى: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ. {الذاريات:٢١} .

ثم إنه من المعلوم عقلا أن كل مخلوق لابد له من خالق، لامتناع أن يكون هو خلق نفسه، أو أنه وجد دون موجد. ولهذا قال تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ. {سورة الطور:٣٥،٣٦} .

فكيف بخلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة، قال تعالى: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. {غافر: ٥٧} .

ولذلك قالت الرسل لأممهم: أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. {إبراهيم: ١٠} .

وقد سبقت لنا عدة فتاوى عن الأدلة المتلوة والمرئية على وجود الله جل جلاله، منها الفتاوى التالية أرقامها: ٢٢٢٧٩، ٣٥٦٧٣، ٥٢٣٧٧، ٦٣٧٩٠، ٧٥٤٦٨، ٣٣٥٠٤.

وأما رؤية الله لنا وعلمه بالغيب فالأمر أبعد مما ذكر السائل، وبرهان ذلك قوله تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. {الملك:١٤} .

قال الشوكاني في فتح القدير: المعنى: ألا يعلم السر ومضمرات القلوب من خلق ذلك وأوجده. انتهى.

وقال ابن جزي في التسهيل: هذا برهان على أن الله تعالى يعلم كل شيء لأن الخالق يعلم مخلوقاته. انتهى.

وتدبر ـ أخي الكريم ـ قوله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ. {الأنعام:٥٩} .

وقوله سبحانه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. {المجادلة:٧} .

وراجع الفتوى رقم: ١٤٧٣٩.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٨ جمادي الثانية ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>