للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[لا تعارض بين المطالبة بالحق والرضا بالقضاء والتوكل على الله]

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا موظف مجتهد جدا، ولكن مديري مهمل لي، ولم يعطني حقي في الترقية مثل باقي زملائي، حيث إن أغلبهم ترقوا، وأنا محلك سر، مع أنه يعطيني كلاما جميلا، وللإدارة العليا يتهمني بالتحريض على زملائي، ويقول إني عصبي، مع أني أقوم بكامل العمل، وكل ما أتت فرصة للترقية يقف لي المدير حجر عثرة، والله إنني مخلص في عملي وحريص، ولكن حسبي الله ونعم الوكيل. لقد شوه صورتي أمام الإدارة العليا في أكثر من موقف، إلى من أشتكي هذا المدير الذي يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ كما يروغ الثعلب. أضاع مستقبلي؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلم أيها الأخ الكريم أن الرزق بيد الله عز وجل، وأنه تعالى لا يقضي للمؤمن قضاء إلّا كان خيرا له، فعليك بالصبر على ما ينزل بك من البلاء، فالصبر مفتاح الفرج، والعباد لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، فضلا عن أن يملكوا ذلك لغيرهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمه ابن عباس في وصيته المشهورة التي أخرجها الترمذي وغيره: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. انتهى. فما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك.

فعلّق قلبك بربك تعالى، واعلم أنه وحده هو الذي بيده الأمر، وأن هذا المدير لا يمكنه أن يحجب عنك رزقا قدر الله أن يصل إليك، وإذا كنت تؤدي عملك على وجهه مخلصا في أدائه فاعلا ما يجب عليك، فإن الله تعالى يثيبك على ذلك ولن يضيع أجرك، وثواب الآخرة خير، ومن المحتمل أن يكون ما تتهم به هذا المدير مجرد ظن ووهم لم تقم عليه بينة، وحينئذ فعليك أن تترك سوء الظن فإنه لا يجوز، وأما إذا قامت لديك البينة على صدق ما تتهم به هذا المدير، فعليك أن تناصحه بلين ورفق وتبين له أنه يعرض نفسه بذلك لغضب الله تعالى حين يظلم الناس ويبخس المستحقين حقوقهم، كما يمكنك أن ترفع الأمر إلى من هو أعلى منه منصبا وتبين له حقيقة الحال بإنصاف وتجرد، وأنت في ذلك كله متوكل على ربك جل وعلا، عالما أنه لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يدفع السيئات إلا هو، واجتهد مع ذلك في الدعاء، والجأ إلى الله تعالى أن يوسع رزقك ويرد عليك حقك، وتعز بقول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض. والله يوفقنا وإياك لكل خير.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٢ رجب ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>