للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[قسمة الميراث على المحاصصة لا يعني أنها صحيحة]

[السُّؤَالُ]

ـ[توفي والدي منذ سبع سنوات تاركا أربع بنات وولدا ووالدتنا المسنة وترك بيتا مكونا من عدد من الشقق مساويا لعدد الورثة ما عدا بنت واحدة هي أنا حيث كانت والدتي تقيم في هذه الشقة فقلت لإخوتي أنا متنازلة طول حياة والدتي عن أخذ ميراثي (حيث إن هذه الشقة تزيد عما أخذه أخواتي البنات لأن والدي قام بتشطيبها والإقامة فيها مع والدتي وأوصاني بترك والدتي تعيش فيها بعد وفاته وتكون هذه شقتي بعد ذلك فوافقت، ولم يعترض أحد من إخوتي ساعتها ويقول لا وصية لوارث، السؤال: هل لإخوتي الحق في محاسبتي بعد وفاة والدتي علي ما بها من تشطيبات قديمة مستعملة، أم من حقي أخذها كما هي بالتشطيب طبقا لوصية والدي حيث أنني قمت بتنفيذ تلك الوصية ولم أحصل على أي شيء مقابل هذه الشقة في حين أخذ كل أخ وأخت يستغل شقته قبل وفاة الوالد بعشر سنوات وحتي الآن وأنا لم آخذ أي شيء مثلهم تنفيذا لرغبة والدي وتنازلت لوالدتي للإقامة بالشقة ولم يعترض أحد من الورثة وقتها على ذلك، الوضع الحالي: ساءت حالة والدتي الصحية منذ حوالي ٣ سنوات وانتقلت للإقامة عند أحد إخوتي لرعايتها، قام الإخوة بتأجير الشقة مفروشة للاستفادة منها بدلاً من إغلاقها للصرف على والدتي والباقي يوزع بالتساوي على الجميع بحجة أن والدتي على قيد الحياة وأنا ليس لي حق في شيء الآن فوضحت لهم أنني تنازلت لأمي للإقامة فقط فتمسكوا برأيهم ولم يعطوني أي مقابل ويقولون بعد وفاة الوالدة تأخذين شقتك ولكن يجب دفع ما بها أولا من تشطيب قديم بسعر اليوم (عندما أستلمها منهم) حيث إنه لا وصية لوارث (أي أنني ما كان يجب أن أتنازل لوالدتي ولكن ما دمتم تنازلت فهذا عقابي) فأرجوكم ما رأي الشرع في هذا حيث إن والدتي على قيد الحياة وأنا أطلب أخذ حقي الآن وإخوتي يرفضون، فما الحكم؟ وشكراً.. ملحوظة: أنا غير مسامحة في حقي في ميراثي من والدي منذ أن استغنت والدتي عن الإقامة بها وقام الإخوة بتأجيرها والحصول علي أجرتها كاملة، فهل هم آثمون؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإننا نقول ابتداء: إن كون عدد الشقق مساوياً لعدد الورثة هذا لا يعني أن القسمة الصحيحة أن يأخذ كل واحد منكم شقة، والواجب عليكم جميعاً تقوى الله تعالى، وينبغي لكم أن تقسموا التركة على القسمة الشرعية التي رضيها الله لكم، ودعوكم من المحاصصة الجائرة التي لا يترتب عليها إلا المشاكل والاختلاف والتنافر، لكن إن اتفقتم على قسمة معينة عن رضا منكم وكنتم بالغين رشداء فلكم ذلك.

والقسمة الشرعية إن كان أبوكم توفي عمن ذكر ولم يترك وارثاً آخر هي كالآتي: تأخذ أمكم الثمن؛ لقول الله تعالى في ميراث الزوجات: ... فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم {النساء:١٢} ، والباقي يقسم بينكن وبين أخيكم للذكر مثل حظ الأنثيين، لقول الله تعالى في ميراث الأولاد: يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ {النساء:١١} ، فتقسمون العمارة السكنية على ثمانية وأربعين سهماً، لأمكم سدسها ستة أسهم، ولأخيكم أربعة عشر سهماً، ولكل واحدة منكن -أنت وأخواتك الثلاث- سبعة أسهم، وكل واحد منكم له الحق في كل شقة من الشقق بقدر نصيبه في الميراث، فأمكم لها الحق في كل شقة بمقدار الثمن، ستة أسهم في ثمانية وأربعين سهماً، وهكذا كل وارث له حق في كل شقة بعينها، وبعد ذلك يمكنكم التحاصص على هذا الأساس أي بناء على القسمة الشرعية، والشقة التي أوصى بها أبوك لك داخلة في هذه القسمة، ولا تصح وصية أبوك لك بتلك الشقة لأنك من جملة الورثة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ... رواه أحمد وأهل السنن.

وسؤال الأخت السائلة عن (التشطيبات) إن كانت تعني بذلك صبغ الشقة وترميمها ونحو ذلك، فما أنفقه أبوكم في حياته على تلك الأمور ليس من حق إخوتك المطالبة به، وهم لهم نصيب في الشقة نفسها كما ذكرنا، وما أنفقتيه أنت من تلك الأمور على الشقة بعد وفاة أبيك من غير إذن منهم فليس لك الحق أيضاً في المطالبة به، وإن كان بإذن منهم فلك الحق في مطالبتهم على قدر إرثهم، فمن له الثمن أخذتِ منه ثمن تلك المصاريف وهكذا، وأما إن اتفقتم على أن يأخذ كل واحد منكم شقة عن تراض منكم ورضي الورثة بإمضاء وصية الوالد فهذا لكم، وتصير الشقة المشار إليها من نصيب السائلة، ولا نرى أن لإخوتها الحق في المطالبة بثمن التشطيبات التي عملت في حياة أبيهم إلا إذا اشترطوا عليها ذلك عند القسمة وقبلت بهذا الشرط.

وإننا ننصحكم إذا اشتد الخلاف بينكم أن ترفعوا الأمر إلى المحكمة الشرعية للنظر في القضية من جميع جوانبها، وتذكروا أنكم ستقفون بين يدي ربكم يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا تركة وعندها يندم الظالم ولا ينفعه ندمه.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٩ محرم ١٤٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>