للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الحرمان من الإنجاب.. رؤية شرعية]

[السُّؤَالُ]

ـ[لدي سؤال يحيرني فأخي زوجته لا تنجب وأختي تأخذ دواء لا تستطيع التوقف لكي تنجب، وأنا أجهضت أكثر من مرة، فهل هذا والعياذ بالله دليل على عقاب أو سخط، وماذا علي فعله ليرزقنا الله الطفل؟ شكراً.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الإنجاب رزق من الله، قال الله تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ {الشورى:٤٩-٥٠} ، والرزق قد يحرم الله منه العبد بسبب ذنب أذنبه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه ابن ماجه وقال في الزوائد: إسناد حسن، وصححه السيوطي.

وقد يحرمه الله تعالى الرزق لحكمة أخرى كالابتلاء، فإن صبر وحمد الله تعالى نال الرفعة والأجر، وإن سخط كان له السخط، وقد بين الله تعالى في كتابه خطأ من ظن أن ضيق الرزق يعتبر إهانة في جميع الحالات، وأن سعة الرزق يعتبر إكراماً في جميع الحالات، وبين الله تعالى أنه قد يوسع على الكافر ويضيق على المؤمن، قال سبحانه وتعالى: فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ* كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ {الفجر:١٥-١٦-١٧} ، جاء في تفسير الجلالين ما نصه: (فأما الإنسان) الكافر (إذا ما ابتلاه) اختبره (ربه فأكرمه) بالمال وغيره (ونعمه فيقول ربي أكرمن) ، (وأما إذا ما ابتلاه) ربه (فقدر) ضيق (عليه رزقه فيقول ربي أهانن) . (كلا) ردع، أي ليس الإكرام بالغنى، والإهانة بالفقر، وإنما هو بالطاعة والمعصية، وكفار مكة لا ينتبهون لذلك. انتهى.

ويقول العلامة السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآيات: يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان من حيث هو، وأنه جاهل ظالم، لا علم له بالعواقب، يظن الحالة التي تقع فيه تستمر ولا تزول، ويظن أن إكرام الله في الدنيا وإنعامه عليه يدل على كرامته عنده وقربه منه، وأنه إذا (قدر عليه رزقه) أي: ضيقه، فصار يقدر قوته لا يفضل منه، أن هذا إهانة من الله له، فرد الله عليه هذا الحسبان: بقوله (كلا) أي: ليس كل من نعمته في الدنيا فهو كريم علي، ولا كل من قدرت عليه رزقه فهو مهان لدي، وإنما الغنى والفقر، والسعة والضيق، ابتلاء من الله، وامتحان يمتحن به العباد، ليرى من يقوم له بالشكر والصبر، فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل، ممن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل. انتهى.

وعليه؛ فعليكم أن تثقوا بالله تعالى وتقوموا بما أوجب عليكم، وتوجهوا إليه تعالى بالدعاء أن يمن عليكم بالذرية الصالحة، وانظري الفتوى رقم: ١٥٢٦٨، وعليكم أيضاً أن تبذلوا الأسباب وتطلبوا العلاج، فإن رزقكم الله تعالى ذلك فالحمد لله على ما أعطى، وإن منعكم فالحمد لله على ما منع، وعليكم بالصبر، فإن الله يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب. وراجعي في ذلك الفتوى رقم: ٥٦٤٧٩.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٦ جمادي الأولى ١٤٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>