للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[أداء حقوق الوالدين المتخاصمين.]

[السُّؤَالُ]

ـ[إخوتي في ركن الفتاوى أتمنى أن تردوا على اسئلتى هذه بأسرع وقت ممكن علماً بأنني في حيرة من أمري والله , أنا مرأة متزوجة والداي مطلقان منذ كان عمري سنة عشت مع أمي وجدي ولم أعش أبداً مع أبي ولم يقدم لي أبي أي يد عون وحتى النفقة لم يصرفها علي يعني لم أر يوماً واحداً جميلاً معه تزوج بإمرة أخرى وأنجب أبناءً وعشت كالغريبة أزورهم مرة بعد مدة ولكن أمي كانت هي منقذي من هذه الحياة كانت كل شئ لي كانت ولازالت تقدم لي يد العون حتى وأنا متزوجة تقدم لي ولزوجي كل شئ الحب والحنان والمال والسفر والجاه وكل شئ، فهي لا تبخل علي بشيء تعطيني كل شئ ولا تأخذ منى شئاً تعطيني الحب ولكنني بخيلة عليها بالحنان ولا أدرى لماذا أعاملها هكذا إنني قاسية جداً معها والله هذا شئ خارج عن إرادتي، ولا أدرى لماذا إنني لا أزورها إلا بعد أسبوع أو أسبوعين ولا اشكرها عندما تقدم لي شئاً ولا أساعدها لا أدرى لماذا أنا قاسية معها ومع كل هذا والدي لم يعاملني جيداً ولم يأتي لزيارتي وأنا في منزل أمي إلا نادراً ولم أتذكر يوماً دخل ومعه نقود أو هدية عموماً لم يتتبع دراستي ولم يفعل لي أي شئ في حياتي سوى أن اسمه مقرون باسمي فقط .... ومع هذا تحملت حتى جاء موعد الفرح ولم يحضر عقد القِرَان ولم يأت أبداً ولم يشارك أبداً فأعلنت عليه المقاطعة ولم أزره أبداً لمدة ٥ سنوات مع العلم إنني علمت انه تم بتر ساقيه الاثنتين ومع هذا لم أزره فسؤالي المحدد هو ماحكم الشرع في كل هذا أرجو التوضيح كذلك ما هو الحل المناسب لي هل الذهاب له والزيارة أم الامتناع عنه ونسيان انه لدي أب في هذه الدنيا؟ مع العلم أن أمي أنذرتني وقالت: لو ذهبت لوالدك سوف أتركك أي أنها سوف تنساني وهذا تهديد صريح منها لي وأنا متأكدة أنها ستفعل لو علمت أنني أزوره أو حتى أكلمه فما الحل أرجوكم ما رأيكم بموقف أمي؟ هل هي على صواب أم لا؟ وما هو الصواب في نظركم؟ إنني والله حائرة وتعبانة وأريد معرفة وجهة نظر الدين في مشكلتي وجازاكم الله ألف خير]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فيجب عليك أن تبرى أبويك وتعامليهما معاملة حسنة، ويحرم عليك أن تقاطعيهما أو تسيئي إليهما، ولو أساءا إليك وإن فرطا فيما أوجب الله عليهما من حق لك، فلا تفرطي في حقوقهما عليك، فإن الله تعالى أوصاك بهما آكد الوصية، وأمرك بالإحسان إليهما على كل حالٍ، ومعاملتها بالمعروف حتى ولو كانا غير مسلمين.

قال الله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً) . [النساء: ٣٦] .

وقال تعالى: (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلاّ إيّاه وبالوالدين إحساناً إمّا يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقُل لهما قولاً كريماً * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربّياني صغيراً) . [الإسراء: ٢٣-٢٤] .

وقال تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه، حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إليّ ثم إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) . [لقمان: ١٤ - ١٥] .

وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على برّ الوالدين وعلى برّ الأم خصوصاً في أحاديث كثيرة مشهورة منها ما في الصحيحين عن ابن مسعود أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أيّ العمل أحبُّ إلى الله تعالى قال: "الصلاة على وقتها " قلت: ثم أيّ؟ قال: " برّ الوالدين " قلت: ثم أي؟ قال: " الجهاد في سبيل الله".

وفيهما أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: " أمك" قال: ثم من؟ قال: " أمك" قال: ثم من؟ قال: " أبوك ".

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من عقوق الوالدين أشد تحذير حيث قال: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: " الإشراك بالله، وعقوق الوالدين" وكان متكئاً فجلس فقال: "ألا وقول الزور وشهادة الزور" فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. والحديث متفق عليه.

إذا علمت هذا فعليك أن تصبري وتحتسبي الأجر عند الله تعالى في معالجة مشكلتك هذه وفق شرع الله تعالى.

وعليك أن تبري أمك غاية البر وتحسني إليها غاية الإحسان وتطيعيها فيما ليست فيه معصية لله تعالى كمقاطعة أبيك، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وحاولي أن تقنعيها أن لأبيك عليك حقاً يجب عليك القيام به، وأنه يحرم عليك قطع رحمه ولو قطعك، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إقرؤا إن شئتم: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) . [محمد ٢٢-٢٣] .

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها". أخرجه البخاري.

وعليك أن تصلي أباك بالقول والفعل امتثالاً لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وقدمي له بعض الهدايا المناسبة ولو قلت.

واسأل الله تعالى أن يشرح صدوركم جميعاً للحق وأن يؤلف بين قلوبكم.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٦ صفر ١٤٢٠

<<  <  ج: ص:  >  >>