للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[توجيه التعارض الحاصل في كلام العالم في المسألة الواحدة]

[السُّؤَالُ]

ـ[أرغب في عمل مشروع خاص مع صديق ولا أمتلك حالياً ما يكفي لذلك ولم أجد سوى أهلي لآخذ منهم ما أحتاج من مال ولكن أحد والدي يعمل في بنك ربوي ويضعوا كامل أموالهم به للحصول على فوائده فهل يحل لي الأستفادة من هذا المال ولو على سبيل القرض؟ ولكن أهلي غير مقتنعين بردي المال لهم فهم يعتبرونه مالي ومال إخوتي وأنهم يعملون ويأتون بهذا المال من أجلنا فهم لن يقبلوا رد المال أبدا والمشكلة أنهم غير مقتنعين بحرمة مالهم- إن كان كله حراما-والسؤال الآن:

١- ما حكم هذا المال راتب البنك والفوائد عليه؟

٢- كيف أحسب ما أدخله أهلي عندي من مال إن كانوا هم لا يستطيعون حسابه؟

٣- كيف لي أن أرد لهم هذا المال –إن وجب الرد- إن كانوا هم رافضين أخذه؟ وهل يجوز لي أن أصر على الرفض؟

٤- ما الذي يجوز لي من مال أهلي؟ وهل يجوز لي أن أرث هذا المال؟

الرجاء الرد بالتفصيل لأهمية ذلك.

وما صحة هذه الفتاوى:

ومال أبيك الذي اكتسبه عن طريق هذا العمل المحرّم يسمّيه العلماء مالاً محرّماً لكسبه، أي أنه اكتسبه بطريق محرّم، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن هذا المال يكون حراماً على مكتسبه فقط، وأما من أخذه منه بطريق مباح فلا يحرم عليه كما لو أعطاك والدك هدية أو نفقة وما أشبه ذلك.

قال الشيخ ابن عثيمين:

قال بعض العلماء: ما كان محرما لكسبه، فإنما إثمه على الكاسب لا على من أخذه بطريق مباح من الكاسب، بخلاف ما كان محرما لعينه كالخمر والمغصوب ونحوهما وهذا القول وجيه قوي بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما لأهله وأكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية بخيبر، وأجاب دعوة اليهودي، ومن المعلوم أن اليهود معظمهم يأخذون الربا ويأكلون السحت، وربما يقوي هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به على بريرة: هو لها صدقة ولنا منها هدية. القول المفيد على كتاب التوحيد ٣ / ١١٢

وقال الشيخ ابن عثيمين: وأما الخبيث لكسبه فمثل المأخوذ عن طريق الغش أو عن طريق الربا أو عن طريق الكذب وما أشبه ذلك وهذا محرم على مكتسبه وليس محرما على غيره إذا اكتسبه منه بطريق مباح ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم كانوا يأكلون السحت ويأخذون الربا فدل ذلك على أنه لا يحرم على غير الكاسب. تفسير سورة البقرة ١/١٩٨

وفى فتوى أخرى:

ليس على أولاد المرابي إثم إذا أكلوا من ماله الربوي السحت أو لبسوا منه أو سافروا به إذا لم يوجد لهم طريق آخر يتكسبون منه، وعليهم نصح والدهم بالطريق التي يغلب على ظنهم نفعها، فإذا تيسرت طرق أخرى للكسب أو لم يحتاجوا إلى هذا المال في ضروريات حياتها: وجب عليهم الاستغناء عنه.

قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:

إذا كان مكسب الوالد حراماً، فإن الواجب نصحه، فإما أن تقوموا بنصحه بأنفسكم إن استطعتم إلى ذلك سبيلاً، أو تستعينوا بأهل العلم ممن يمكنهم إقناعه أو بأصحابه لعلهم يقنعونه حتى يتجنب هذا الكسب الحرام، فإذا لم يتيسر ذلك فلكم أن تأكلوا بقدر الحاجة ولا إثم عليكم في هذه الحالة، لكن لا ينبغي أن تأخذوا أكثر من حاجتكم للشبهة في جواز الأكل ممن كسبه حرام. (فتاوى إسلامية ٣/٤٥٢) .

وإذا مات الوالد المرابي وجب على ورثته التخلص من المال الربوي بإرجاعه إلى أهله إن عرفوهم وإلا فعليهم التخلص منه بتوزيعه في المصارف العامة والخاصة، فإن تعسر عليهم تحديد المبلغ الربوي في مال والدهم: قسموه نصفين فيأخذون النصف ويوزعون النصف الآخر.

فكيف يكون هذا التناقض لابن عثيمين.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالمال الحرام الذي تعلق به حق الغير يحرم على مكتسبه وحائزه، ويجب رده إلى أصحابه إن عُلموا، فإن لم يستطع حائزه رده إليهم صرفه في مصالح المسلمين العامة، أما إذا كان هذا المال الحرام لم يتعلق به حق الغير، فإنه يجب على مكتسبه التخلص منه أيضاً كسابقه، أما من أخذه من مكتسبه وحازه بطريق مشروع كالهبة والأجرة ونحوهما، فالراجح أنه يحل له أخذه والانتفاع به، وهذا هو ما أفتى به فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله كما نقلته في السؤال، وراجع في هذا الفتاوى ذات الأرقام التالية: ٢٤٠٣٠، ١٠٣٩٨، ٦٨٨٠، ٣٨٧٧٦، ٤٩٦٥٥، ١٨١٢٤.

أما عن التعارض الحاصل في كلام الشيخ -رحمه الله- فأمر وارد عن جميع العلماء، حيث كانت تتعدد أقوالهم في المسألة الواحدة، لما يظهر لهم من أوجه الترجيح، واختلاف الأحوال والقرائن، فكم من المسائل ورد للإمام أحمد فيها روايتان، وللشافعي قول يعرف بالقديم وقول يعرف بالجديد في مسائل كثيرة وكذا بقية الأئمة.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٨ جمادي الثانية ١٤٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>