للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[تحريق أبي بكر الصديق لإياس بن عبد ياليل]

[السُّؤَالُ]

ـ[كيف نوفق بين نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التحريق بالنار وبين إحراق أبي بكر الصديق رضي الله عنه إياس بن عبد ياليل بالنار في حرب الردة؟

جزاكم الله خيرا ... ]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التحريق بالنار ثابت، فقد ورد في حديثه الشريف أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يعذب بالنار إلا رب النار. رواه أبو داود وأحمد في المسند.

وقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان هذا النهي للتحريم أم أنه لمجرد التواضع. قال ابن حجر في فتح الباري: ... وقال المهلب ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع. ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة وقد سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين بالحديد المحمى، وقد حرق أبو بكر البغاة بالنار بحضرة الصحابة، وحرق خالد بن الوليد بالنار ناسا من أهل الردة، وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون والمراكب على أهلها، قاله الثوري والأوزاعي. وقال ابن المنير وغيره: لا حجة فيما ذكر للجواز. لأن قصة العرنيين كانت قصاصا أو منسوخة كما تقدم وتجويز الصحابي معارض بمنع صحابي آخر، وقصة الحصون والمراكب مقيدة بالضرورة إلى ذلك، إذا تعين طريقا للظفر بال عدو ...

ثم إن قصة إحراق أبي بكر الصديق رضي الله عنه إياس بن عبد ياليل بالنار، واردة في كتب السير والتاريخ. ففي الكامل: أن إياس بن عبد ياليل جاء إلى أبي بكر فقال له: أعني بالسلاح أقاتل به أهل الردة. فأعطاه سلاحا وأمره إمرة، فخالف إلى المسلمين وخرج حتى نزل بالجواء، وبعث نخبة بن أبي الميثاء من بني الشريد وأمره بالمسلمين، فشن الغارة على كل مسلم في سليم وعامر وهوازن. فبلغ ذلك أبا بكر -رضي الله عنه- فأرسل إليه من أسره وبعث به إليه. فأمر أبو بكر أن توقد له نار في مصلى المدينة ثم رمي به فيها مقموطا.

وإذا كان أهل العلم قد اختلفوا في تحريم الإحراق بالنار كما بينا، وأن القائل منهم بالحرمة قد استثنى حالات يجوز فيها ذلك، فلاشك أن ما أقدم عليه إياس بن عبد ياليل يستحق به ما فعل به من الإحراق. فجزى الله خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على غيرته للإسلام.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٨ محرم ١٤٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>