للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[حكم من يحسب الفوائد ويكتبها ويوقع على شيكات متضمنة فوائد ربوية]

[السُّؤَالُ]

ـ[أرجو أن يتسع صدركم الرحب لأسئلتي خاصة أن الموضوع يؤرقني وهام جداً لي ولغيري.. الموضوع يتكون من شقين- الشق الأول: أعمل حالياً كمدخل بيانات على الحاسب الآلي في مصنع لإنتاج أعلاف للمواشي وطبيعة وظيفتي أني أدخل بيانات الموظفين على قاعدة بيانات خاصة بهم على الحاسب بالإضافة إلى المكاتبات اليومية، وفي بعض المكاتبات القليلة يكون علي أن أكتب وأطبع ورقا فيه فوائد بنوك عادية (ربوية) ومثلاً أوراق الميزانيات المالية السنوية ويكون فيها بند للفوائد، ولقد رفضت منذ البداية من مدير المصنع كتابة هذه الأوراق بعد أن ذكرته بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء. وبعقاب الله في القرآن الكريم لآكل الربا، فهل الذي فعلته حلال أم حرام، أم هو تقصير في عملي خاصة أن المدير أوكل كتابة هذه الأوراق للكتابة على الآلة الكاتبه وهم يفعلون هذا منذ زمن بعيد حوالي (٢٥ عاماً أو أكثر) وأنا حديث التعيين، فهل يقع علي إثم في ذلك أم أطلب نقلي لوظيفة أخرى بعيدة عن مثل هذه الأمور حيث أخشى أن تحصل مشاكل في العمل بسبب هذا الموضوع؟

الشق الثاني: هل من يحسبون الفوائد ويكتبونها ويوقعون على شيكات متضمنة فوائد بنوك ربوية مثل الحسابات في المصنع أو المدير حينما يوقع على الشيك النهائي محسوب فيه الفائدة والمبلغ الأصلي حتي يتم صرف مرتبات العاملين والموظفين في المصنع يقعون جميعاً تحت كبيرة الربا، وهل مرتباتنا بهذا الشكل حلال رغم أن باقي الموظفين منهم (المهندسين- والسائقين- والعمال) وكلهم بعيدون عن الربا واحتسابه أو المشاركه فيه، ولقد قال شيخ من الشيوخ الأفاضل من الممكن أن تطهروا مرتباتكم الشهرية القادمة من البنوك العادية بالصدقات الشهرية عن كل مرتب يتم قبضه حتى إن كنت تعمل بعيدا عن أصول أو فروع الربا هذا فقط لأن المرتب قادم من البنك العادي الربوي، فهل هذا يجوز أم لا؟ وجزاكم الله كل خير وأثابكم الله المغفرة والرحمة.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن ما فعلت من رفض كتابة هذه الأوراق المشتملة على ما حرم الله سبحانه وتعالى، ومن إنكارك على مديرك هو واجبك الشرعي، فلا تأثم بذلك بل تؤجر عليه، ويحرم عليك طاعته في ذلك لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فعن علي رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فاستعمل رجلاً من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب، فقال: أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني، قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطباً فجمعوا، فقال: أوقدوا ناراً فأوقدوها، فقال: ادخلوها فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضاً ويقولون: فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار، فما زالوا حتى خمدت النار فسكن غضبه، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، الطاعة في المعروف. رواه البخاري ومسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.

وتأثم إذا قمت بكتابة تلك الأوراق لأنك حينئذ تعد معيناً على الإثم، وقد قال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:٢} .

وبخصوص سؤال الشق الثاني فهل من يحسبون الفوائد ويكتبونها ويوقعون على شيكات متضمنة فوائد بنوك ربوية ... إلخ يقعون جميعاً تحت كبيرة الربا؟ فالجواب: أن كل هؤلاء يدخلون تحت من يعين على كبيرة الربا، وينسحب عليهم الوعيد المذكور في حديث جابر، قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء. رواه مسلم.

ولا يعدون مرتكبين للربا بالفعل إلا المدير الذي بيده القرار النهائي فهو واقع في كبيرة الربا لأنه بتوقيعه يعد منشئا لعقده وموافقاً عليه..

أما المرتبات فما كان منها مقابل عمل مباح فهو مباح ولو كان قادماً من البنك الربوي، كما هو مبين في الفتوى رقم: ١٠٣٩٨، والفتوى رقم: ٢٣٥٢٠..

وما كان مقابل عمل محرم فهو محرم يجب التخلص منه بصرفه في المصارف الخيرية كالفقراء والمساكين بنية التخلص من الحرام لا بنية الإنفاق في سبيل الله لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن استطعت أن تجد لك عملاً تنتقل إليه فابحث عنه وانتقل إليه، وإن لم تستطع أن تجده وكنت محتاجاً إلى عملك هذا فابتعد عن كتابة كل ما يشتمل على محرم مثل كتابة الفوائد الربوية، وإذا ألجئت إلى كتابتها إلجاء ولم تجد بدا منه وأنت محتاج فالنصيحة أن تجتهد في إخراج نسبة من مرتبك مقابل ما يحصل منه من طريق محرم تطهيراً له.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٤ جمادي الثانية ١٤٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>