فيلزم الدور، وحل هذا هو: أن تتوقف عليها أحكامها أيضا فيلزم أن تتوقف على ما توقف هو عليها فيلزم الدور وهو من المحال، أو لا تتوقف عليها فيلزم أن يطلق امرأته أو يعتق عبده وهو ساكت وهذا خلاف الاجماع، ومنها أنها لو كانت اخبارا فاما أن تكون خبرا عن الماضى أو الحاضر وحينئذ يتعذر تعليقها على الشرط لأن من شرط الشرط ألا يتعلق بمستقبل أو خبر عن المستقبل وحينئذ لا يزيد على التصريح بذلك وهو لو صرح وقال لامرأته ستصيرين طالقا لم تطلق بهذا اللفظ، وكذلك ما فى معناه، ومنها أنه لو قال للمطلقة الرجعية: أنت طالق لزمه طلقة أخرى مع أن اخباره صادق باعتبار الطلقة المتقدمة فلا حاجة الى طلقة أخرى، لكن لما لزمه طلقة أخرى دل ذلك على أن هذه الصيغة منشئة للطلاق، ومنها أن الانشاء هو المتبادر فى العرف الى الفهم فوجب أن يكون منقولا اليه كسائر المنقولات، وقد أجاب الحنفية على هذه الاستدلالات بقولهم:
أما الأول فيلزمه الكذب أن لو لم يقدر فيها صاحب الشرع تقدم مدلولاتها قبل النطق بها بالزمن الفرد لضرورة تصديق المتكلم بها لكن الاضمار أولى من النقل لما تقرر فى علم الأصول ولأن جواز الاضمار فى الكلام مجمع عليه، والنقل مختلف فيه فالمجمع عليه أولى ومتى كان المدلول مقدرا قبل الخبر كان الخبر صادقا فلا يلزم الكذب ولا النقل للانشاء وبقيت اخبارات على موضوعاتها اللغوية وعملنا بالأصل فى عدم النقل.
وعن الثانى: أن الدور غير لازم لأن النطق باللفظ لا يتوقف على شئ وبعده يقدر تقدم المدلول وبعد تقدير تقدم المدلول يحصل الصدق ويلزم الحكم فالصدق متوقف مطلقا واللفظ متوقف عليه مطلقا، والتقدير متوقف على النطق، ويتوقف عليه الصدق فهاهنا ثلاثة أمور مترتبة بعضها على بعض وليس فيها ما هو قبل الآخر وبعده حتى يلزم الدور بل هى كالابن والأب والجد فى الترتيب والتوقف فامتنع الدور.
وعن الثالث أجاب الحنفية بقولهم: انا نلتزم أنها اخبارات عن الماضى ولا يتعذر التعليق وبيانه: أن الماضى له تفسيران.
أحدهما: ماض تقدم مدلوله قبل النطق به من غير تقدير فهذا يتعذر تعليقه لأن معنى التعليق توقيف أمر فى دخوله فى الوجود على دخول أمر آخر فى الوجود وهو الشرط وما دخل فى الوجود وتحقق لا يمكن توقيف دخوله فى الوجود على غيره فلأجل ذلك تعذر تعليق الماضى المحقق.
وثانيهما: ماض بالتقدير لا بالتحقيق فهذا يصح تعليقه وتقديره: أنه اذا قال لامرأته: أنت طالق ان دخلت الدار فقد أخبر عن ارتباط طلاق امرأته بدخول الدار فيقدر صاحب الشرع هذا الارتباط قبل نطقه بالزمن الفرد لضرورة تصديقه واذا قدر الارتباط قبل النطق صار الاخبار عن الارتباط ماضيا لأن حقيقة الماضى هو الذى مخبره قبل خبره وهذا كذلك بالتقدير فيكون ماضيا مع التعليق ففد اجتمع المضى والتعليق بهذا التفسير ولم يناف المضى التعليق.