للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خلفهم مبطل لتقليدهم لهم قطعا فان طريقتهم كانت اتباع الحجة والنهى عن تقليدهم، فمن ترك الحجة وأرتكب ما نهوا عنه ونهى الله ورسوله عنه قبلهم فليس على طريقتهم وهو من المخالفين لهم، وإنما يكون على طريقتهم من اتبع الحجة وانقاد للدليل ولم يتخذ رجلا بعينه سوى الرسول صلى الله عليه وسلم يجعله مختارا على الكتاب والسنة يعرضهما على قوله وبهذا يظهر بطلان قول من فهم أن التقليد إتباع. بل هو مخالف للاتباع، وقد فرق الله ورسوله وأهل العلم بينهما كما فرقت الحقائق بينهما فإن الاتباع سلوك طريق المتبع والاتيان بمثل ما أتى به (١).

وقال أبو عبد الله بن خواز منداد البصرى المالكى: التقليد، معناه فى الشرع الرجوع الى قول لا حجة لقائله عليه، وذلك ممنوع منه فى الشريعة، والاتباع ما ثبت عليه حجة.

وقال: كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله بدليل يوجب ذلك فأنت مقلده والتقليد فى دين الله غير صحيح، وكل من أوجب الدليل عليك اتباع قوله فأنت متبعه والإتباع فى الدين سائغ والتقليد ممنوع (٢).

وللعلماء فى التقليد والأخذ به لغير المجتهد خلاف ينظر فى مصطلح (تقليد).

اتباع المأموم للإمام

[مذهب الحنفية]

يتحقق الاتباع عندهم بألا يكون المأموم متقدما على إمامه، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «ليس مع الإمام من تقدمه» ولأنه إذا تقدم المأموم الإمام يشتبه عليه حاله أو يحتاج إلى النظر وراءه فى كل وقت ليتابع فلا يمكنه المتابعة، ولأن المكان من لوازمه. ألا ترى أنه إذا كان بينه وبين الإمام نهر أو طريق لم يصح لانعدام التبعية فى المكان وهذا بخلاف الصلاة فى الكعبة لأن وجهه إذا كان إلى الامام لم تنقطع التبعية ولا يسمى قبله بل هما متقابلان ويشترط‍ كذلك لتحقق التبعية اتحاد مكان الإمام والمأموم لأن الاقتداء يقتضى التبعية فى الصلاة والمكان من لوازم الصلاة فيقتضى التبعية فى المكان ضرورة وعند أختلاف المكان تنعدم التبعية فى المكان فتنعدم التبعية فى الصلاة لانعدام لازمها، ولأن اختلاف المكان يوجب خفاء حال الإمام على المقتدى فتتعذر عليه المتابعة ولو كان بين الإمام والمأموم حائط‍ ذكر فى الأصل أنه يجزئه.

وروى الحسن عن أبى حنيفة أنه لا يجزئه، وهذا فى الحاصل على وجهين:

إن كان الحائط‍ قصيرا بحيث يتمكن كل أحد من الركوب عليه كحائط‍ المقصورة لا يمنع الإقتداء لأن ذلك لا يمنع التبعية فى المكان ولا يوجب خفاء حال الإمام، ولو كان بين الصفين حائط‍ إن كان طويلا وعريضا ليس فيه ثقب، يمنع الاقتداء، وان


(١) أعلام الموقعين لابن القيم ج‍ ٢ ص ١٣٠ الطبعة السابقة.
(٢) المرجع السابق ج‍ ٢ ص ١٣٧.