المجروح على مداواتها فترك المداواة حتى مات والقول الثاني أنها لا تجب وهو الصحيح لأن طرحه في النار لا يحصل به التلف وإنما يحصل ببقائه فيها باختياره فسقط ضمانه كما لو جرحه جرحًا يسيرًا لا يخاف منه فوسعه حتى مات، وإن طرحه في ماء يمكنه الخروج منه قلم يخرج حتى مات ففيه طريقان، من أصحابنا من قال فيه قولان كالنار ومنهم قال لا تجب قولًا واحدًا لأن الطرح في الماء ليس بسبب للهلاك لأن الناس يطرحون أنفسهم في الماء للسباحة وغيرها وإنما حصل الهلاك بمقامه فيه فسقط ضمانه بخلاف النار، وجاء في (١) نهاية المحتاج أنه إن أكره مميزًا ولو أعجميًا على قتل نفسه كاقتل نفسك وإلا قتلتك فقتلها فلا قصاص في الأظهر لانتفاء كونه إكراهًا حقيقة لاتحاد المأمون. به والخوف به فكأنه اختار القتل والثانى يجب كما لو أكرهه على قتل غيره ويجب على الأول على الآمر نصف الدية كما جزم به ابن المقرى تبعًا لأصله وهو المعتمد بناء على أن المكره شريك وإن سقط عنه القصاص للشبهة بسبب مباشرة المكره قتل نفسه، نعم لو أكرهه على قتل نفسه بما يتضمن تعذيبًا شديدًا كإحراق أو تمثيل إن لم يقتل نفسه كان إكراهًا كما جرى عليه الزاز ومال إليه الرافعى وإن نازع فيه البلقينى أما غير المميز فعلى مكرهه القود لانتفاع اختياره وبه فارق الأعجمى لأنه لا يجوز وجوب الامتثال في حق نفسه.
[مذهب الحنابلة]
جاء فى المغنى والشرح الكبير عليه: أنه إن جنى الرجل على نفسه خطأ أو على أطرافه ففيه روايتان قال القاضي أظهر الروايتين أن على عاقلته ديته لورثته إن قتل نفسه أو أرش جرحه لنفسه إذا كان أكثر من الثلث وهذا قول الأوزاعى وإسحاق لما روى أن رجلًا ساق حمارًا فضربه بعصا كانت معه فطارت منها شظية ففقأت عينه فجعل عمر ديته على عاقلته وقال هي يد من أيدى المسلمين لم يصبها اعتداء على أحد ولم نعرف له مخالفًا في عصره ولأنها جناية خطأ فكان عقلها على عاقلته كما لو قتل غيره فعلى هذه الرواية إن كانت العاقلة الوارثة لم يجب شئ لأنه لا يجب للإنسان شئ على نفسه وإن كان بعضهم وارثًا سقط عنه ما يقابله نصيب وعليه ما زاد على نصيبه وله ما بقى إن كان نصيبه من الدية أكثر من الواجب عليه الرواية الثانية: جنايته هدر قول أكثر أهل العلم منهم ربيعة ومالك والشورى والشافعى وأصحاب الرأى وهى أصح لأن عامر بن الأكوع بارز مرحبا يوم خيبر فرجع سيفه على نفسه فمات ولم يبلغنا أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قضى فيه بدية ولا غيرها ولو وجبت لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولأنه جنى على نفسه فلم يضمنه غيره كالعمد ولأن وجوب الدية على العاقلة إنما كان مواساة للجانى وتخفيفًا عنه وليس على الجانى ها هنا شئ يحتاج إلى الإعانة والمواساة فيه فلا وجه لإيجابه ويفارق هذا ما إذا كانت الجناية
(١) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى المنوفى المصرى الشهير بالشافعى الصغير جـ ٧ ص ٢٤٧ ومعه حاشية أبى الضياء نور الدين على بن علي الشبراملى القاهرى وبهامشه حاشية أحمد بن عبد الرزاق بن محمد بن أحمد المعروف بالمغربى الرشيدى طبع مطبعة شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة ١٣٥٧ هـ سنة ١٩٣٨ م.