للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالنسبة لنسخ الوجوب فى آية الوصية، وقيل يبقى الاستحباب.

وجاء فى المنهاج للبيضاوى وشرحه للأسنوى (١): إن القائلين بالإباحة فى الأمر بعد الحظر اختلفوا فى النهى بعد الوجوب فمنهم من طرد القياس، وحكم بالإباحة، لأن تقدم الوجوب قرينة، ومنهم من حكم بأنه للتحريم كما لو ورد إبتداء.

وقالوا: إن مما يدل على الإباحة استعمال مادة المشيئة فى مثل قوله تعالى:

«تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ} (٢)»، فإنها تفيد إباحة ترك الرسول صلوات الله عليه القسم بين زوجاته، وذلك إذا لم تكن هناك قرينة تدل على أن المراد التهديد كما فى قوله تعالى: «فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ} (٣)» فى مسألة المباح.

ومما يؤيد ذلك قول الغزالى (٤): ان من الأفعال ما صرح الشارع فيه، وقال إن شئتم فافعلوه، وإن شئتم فاتركوه، ومنها ما لم يرد فيه خطاب بالتخيير، لكن دل دليل السمع على نفى الحرج فى فعله وتركه.

ومما يدل على الإباحة من غير لفظ‍ أفعال الرسول فى بعض أنواعها فقد نص الآمدى (٥) على أن ما كان من الأفعال الجبلية أى الطبيعية كالقيام والقعود والأكل والشرب ونحوه، فلا نزاع فى كونه على الإباحة بالنسبة إلى النبى وإلى أمته.

ويقول الشوكانى (٦): إن ما لا يتعلق بالعبادات ووضح فيه أمر الجبلية كالقيام والقعود ونحوها فليس فيه تأس ولا به اقتداء ولكنه يدل على الإباحة عند الجمهور ثم أورد خلافا لغيرهم فى ذلك فقد نقل الباقلانى عن قوم أنه مندوب وقال كذا حكاه الغزالى فى كتابه المنخول، وقال:

كان عبد الله بن عمر يتتبع مثل هذا ويقتدى به كما هو معروف عنه.

وأما تقرير النبى عليه الصلاة والسلام:

فإن ما سكت النبى عنه ولم يكن قد سبق منه النهى عنه ولا عرف تحريمه فإن سكوته عنه يدل على إباحته، ومثل الشوكانى (٧) لذلك بأكل العنب بين يدى الرسول ونقل عن أبن القشيرى أن هذا مما لا خلاف فيه

يقول الآمدى (٨): إن ما أقره النبى ولم يكن قد سبق منه النهى ولا عرف تحريمه فسكوته عن فاعله وتقريره له يدل على جوازه ورفع الحرج عنه لأنه لو لم يكن فعله جائزا لكان تقريره له عليه مع القدرة على إنكاره حراما على النبى عليه الصلاة والسلام، فحيث لم يوجد منه ذلك دل على الجواز غالبا.

الصلة بين الإباحة والتخيير والحل

والجواز والصحة والعفو

الصلة بين الإباحة والتخيير:

الإباحة عند الأصوليين هى التخيير بين الفعل والترك من غير ثواب ولا عقاب على ما تقدم، أما التخيير فهو أعم من ذلك لأنه تارة يكون على سبيل الإباحة وتارة يترتب على الترك عقاب، وعلى الفعل ثواب فى


(١) المنهاج للبيضاوى وشرحه للأسنوى ج‍ ١ ص ٢٦٩
(٢) سورة الأحزاب: ٥١.
(٣) سورة الكهف: ٢٩.
(٤) المستصفى ج‍ ١ ص ٧٥.
(٥) الأحكام فى أصول الأحكام ج‍ ١ ص ٢٧٠.
(٦) إرشاد الفحول ص ٣٣.
(٧) إرشاد الفحول ص ٢٩.
(٨) الأحكام فى أصول الاحكام ج‍ ١ ص ٢٧٠