للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما يفسد الوكالة وما لا يفسدها]

[مذهب الحنفية]

جاء فى بدائع الصنائع أن ما يخرج به الوكيل عن الوكالة أشياء منها عزل الموكل اياه ونهيه لأن الوكالة عقد غير لازم فكان محتملا للفسخ بالعزل والنهى ولصحة العزل شرطان:

أحدهما علم الوكيل به لأن العزل فسخ للعقد فلا يلزم حكمه الا بعد العلم به كالفسخ فاذا عزله وهو حاضر انعزل.

وكذا لو كان غائبا فكتب اليه كتاب العزل فبلغه الكتاب فعلم بما فيه انعزل لأن الكتاب من الغائب كالخطاب من الحاضر وكذلك لو أرسل اليه رسولا فبلغ الرسالة وقال ان فلانا أرسلنى اليك ويقول انى عزلتك عن الوكالة فانه ينعزل كائنا ما كان لأن الرسول قائم مقام المرسل معبر وسفير عنه فتصح سفارته بعد أن صحت عبارته على أى صفة كان وان لم يكتب كتابا ولا أرسل رسولا ولكن أخبره بالعزل رجلان عدلان كانا أو غير عدلين. أو رجل واحد عدل ينعزل فى قولهم جميعا سواء صدقه الوكيل أو لم يصدقه اذا ظهر صدق الخبر لأن خبر الواحد مقبول فى المعاملات وان لم يكن عدلا فخبر العدلين أو العدل أولى وان أخبره واحد غير عدل فان صدقه ينعزل بالاجماع وان كذبه لا ينعزل وان ظهر صدق الخبر فى قول أبى حنيفة وعندهما ينعزل اذا ظهر صدق الخبر (١) وان عزله الموكل وأشهد على عزله وهو غائب ولم يخبره بالعزل أحد لا ينعزل ويكون تصرفه قبل العلم بعد العزل كتصرفه قبل العزل فى جميع الأحكام.

وعن أبى يوسف فى الموكل اذا عزل الوكيل ولم يعلم به فباع الوكيل وقبض الثمن فهلك الثمن فى يد الوكيل ومات العبد قبل التسليم الى المشترى وللمشترى أن يرجع بالثمن على الوكيل ويرجع الوكيل على الموكل كما قبل العزل سواء لأن العزل لم يصح لانعدام شرط‍ صحته وهو العلم.

والثانى أن لا يتعلق بالوكالة حق الغير فأما اذا تعلق بها حق الغير فلا يصح العزل بغير رضا صاحب الحق لأن فى العزل ابطال حقه من غير رضاه ولا سبيل اليه (٢).

ولو قال الموكل وقت التوكيل كلما عزلتك فأنت وكيلى وكالة مستقبلة فعزله ينعزل ولكنه يصير وكيلا ثانيا وكالة مستقبلة كما شرط‍ لأن تعليق الوكالة بالشرط‍ جائز ولو قال الموكل للوكيل كنت وكلتك وقلت لك كلما عزلتك فأنت وكيلى فيه وقد عزلتك عن ذلك كله لا يصير وكيلا بعد الا بتوكيل جديد لأن من علق التوكيل بشرط‍ ثم عزله عن الوكالة قبل وجود الشرط‍ ينعزل الوكيل ولا يصير وكيلا بعد ذلك بوجود الشرط‍ (٣).

وتبطل الوكالة بموت الموكل لأن التوكيل بأمر الموكل وقد بطلت أهلية الآخر بالموت فتبطل الوكالة علم الوكيل بموته أم لا ومنها جنونه جنونا مطبقا لأن الجنون المطبق مبطل لأهلية الآمر ومنها أى ابطال الوكالة للحاقة بدار الحرب مرتدا عند أبى حنيفة وعندهما لا يخرج به الوكيل عن الوكالة بناء على أن تصرفات المرتد موقوفة عنده فكانت وكالة الوكيل موقوفة فان أسلم الموكل نفذت وان قتل على الردة أو لحق بدار الحرب بطلت وعندهما تصرفاته نافذة.


(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للامام أبى بكر مسعود الكاسانى الجزء السادس ص ٣٧ الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر
(٢) بدائع الصنائع للكاسانى المرجع السابق ج ٦ ص ٣٧، ٣٨
(٣) بدائع الصنائع للكاسانى ج ٦ ص ٣٨