للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحد الحاضرين بالرجوع أو بان لا يقر (١).

[الاقرار بالسرقة]

جاء فى المغنى لابن قدامة: أن القطع فى السرقة انما يجب باحد امرين ببينة أو باقرار لا غير. فاما الاقرار فيشترط‍ فيه ان يعترف مرتين. روى ذلك عن على رضى الله تعالى عنه وبه قال ابن ابى ليلى وأبو يوسف وزفر وابن شبرمه .. وقال عطاء والثورى وابو حنيفة والشافعى ومحمد بن الحسن يقطع باعترافه مرة لانه حق يثبت بالاقرار فلم يعتبر فيه التكرار كحق الادمى … ولنا ما روى ابو داود بأسناده عن ابى امية المحزومى أن النبى صلّى الله عليه وسلّم أتى بلص قد اعترف فقال له: «وما اخا لك سرقت» قال بلى. فأعاد عليه مرتين او ثلاثا فأمر به فقطع ولو وجب القطع بأول مرة لما اخره .. وروى سعيد عن هشيم وسفيان وابى الاحوص وابى معاوية عن الاعمش عن عبد الرحمن بن القاسم عن ابيه قال: شهدت عليا. وأتاه رجل فأقر بالسرقة فرده ثم عاد بعد ذلك فأقر. فقال له على: شهدت على نفسك مرتين فأمر به فقطع.

ومثل هذا يشتهر فلم ينكر. ولانه يتضمن اتلافا فى حد فكان من شرطه التكرار كحد الزنا. ولانه احد حجتى القطع فيعتبر فيه التكرار كالشهادة. وقياسهم ينتقض بحد الزنا عند من اعتبر التكرار. ويفارق حق الادمى لأن حقه مبنى على الشح والتضييق ولا يقبل رجوعه عنه بخلاف مسألتنا ويعتبر أن يذكر فى اقراره شروط‍ السرقة من النصاب والحرز واخراجه منه … والحر والعبد فى هذا سواء نص عليه احمد. وذلك لعموم النص فيهما. ولما روى الاعمش عن القاسم عن ابيه أن عليا قطع عبدا أقر عنده بالسرقة.

ويعتبر أن يقر مرتين. وروى مهنا عن احمد اذا أقر العبد اربع مرات انه سرق قطع.

وظاهر هذا أنه اعتبر اقراره اربع مرات ليكون على النصف من الحر .. والأول أصح لخبر على. ولانه اقرار بحد. فاستوى فى عدده الحر والعبد كسائر الحدود .. ويجب أن يبقى على اقراره حتى يقطع. وان رجع قبل القطع لا يقطع. وهذا قول أكثر الفقهاء. وقال ابن ابى ليلى ودواد لا يقبل رجوعه. لانه لو اقر الآدمى بقصاص او حق لم يقبل رجوعه عنه ..

ولنا قول النبى صلّى الله عليه وسلّم «ما اخالك سرقت». عرض له ليرجع ولو كان الرجوع غير جائز لما عرض له به .. ولانه حد لله تعالى ثبت بالاعتراف فقبل رجوعه عنه كحد الزنا. ولان الحدود تدرأ بالشبهات.

ورجوعه عنه شبهة لاحتمال أن يكون كذب على نفسه فى اعترافه .. ولأنه احد حجتى القطع فيبطل بالرجوع عن الاقرار به كالشهادة اذا رجع عنها الشهود وقبل القطع ولأن حجة القطع زالت قبل استيفائه فسقط‍ .. وفارق حق الآدمى فانه مبنى على الشح والضيق ..

ولو رجع الشهود عن شهادتهم بعد الحكم لم يبطل الحكم برجوعهم ولم يمنع استيفاءها ..

واذن فلو رجع المقر عن اقراره قبل القطع سقط‍ القطع. ولكن لا يسقط‍ عزم المسروق لانه حق آدمى. ولو أقر مرة واحدة لا يجب القطع ولكن يلزمه غرامة المسروق .. وان كان رجوعه وقد قطع بعض المفصل لم يتممه ان كان يرجى برؤه لكونه قطع الاقل. وان كان قد قطع


(١) المغنى لابن قدامه ج‍ ١٠ ص ١٦٥، ١٧٤، ١٩٥، ١٩٦.