للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا في قصة الحضرمى والكندى اللذين اختلفا في الأرض، وعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ولكن اليمن على المدعى عليه" (١)، القسم الثاني: ما ليس بمال ولا المقصود منه المال، وهو كل ما لا يثبت إلا بشاهدين كالقصاص وحد القذف والنكاح والطلاق والرجعة والعتق والنسب والاستيلاد والولاء والرق ففيه روايتان: إحداهما: لا يستحلف المدعى عليه ولا تعرض عليه اليمين، قال أحمد: لم أسمع ممن مضى جوزوا الأيمان إلا في الأموال والعروض خاصة، والرواية الثانية: يستحلف في الطلاق والقصاص والقذف، وقال الخرقى: إذا قال: ارتجعتك، فقالت: انقضت عدتى قبل رجعتك فالقول قولها مع يمينها، وإذا اختلفا في مضى الأربعة أشهر فالقول قوله مع يمينه، فيخرج من هذا أنه يستحلف في كل حق لآدمى؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه" أخرجه مسلم (٢) وهذا عام في كل مدعى عليه وهو ظاهر في دعوى الدماء لذكرها في الدعوى مع عموم الأحاديث، ولأنها دعوى صحيحة في حق لآدمى فجاز أن يحلف فيها المدعى عليه كدعوى المال، الضرب الثاني: في حقوق الله تعالى، وهى نوعان: أحدهما: الحدود فلا تشرع فيها يمين ولا نعلم في هذا خلافًا؛ لأنه لو أقر ثم رجع عن إقراره قُبل منه وَخُلّىَ من غير يمين فلئلا يستحلف مع عدم الإقرار أولى، ولأنه يستحب ستره والتعريض، للمقر به بالرجوع عن إقراره وللشهود بترك الشهادة والستر عليه قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهُزَال في قصة ماعز: "يا هزَّال لو سترته بثوبك لكان خيرًا لك" (٣) فلا تشرع فيه يمين بمال، النوع الثاني: الحقوق المالية كدعوى الساعى الزكاة على رب المال وأن الحول قد تم وكمل النصاب فقال أحمد: القول قول رب المال من غير يمين ولا يستحلف الناس على صدقاتهم، والدليل على ذلك: أنه حق لله تعالى أشبه الحد، ولأن ذلك عبادة فلا يستحلف عليها كالصلاة، ولو ادعى عليه أن عليه كفارة يمين أو ظهار أو نذر صدقة أو غيرها فالقول قوله في نفى ذلك من غير يمين، ولا تسمع الدعوى في هذا، ولا في حد لله تعالى؛ لأنه حق للمدعى فيه ولا ولاية له عليه فلا تسمع منه دعواه كما لو ادعى حقًّا لغيره من غير إذنه ولا ولاية له عليه، فإن تضمنت دعواه حقًّا له مثل أن يدعى سرقة ماله ليضمن السارق أو يأخذ منه ما سرقه أو يدعى عليه الزنا بجاريته ليأخذ مهرها منه سمعت دعواه، ويستحلف المدعى عليه لحق الآدمى دون حق الله تعالى (٤).

[مذهب الظاهرية]

أولًا: أثر الإنكار في وجوب اليمين على المنكر:

كل من ادعى على أحد وأنكر المدعى عليه، فكُلّف المدعي البينة، فقال: لى بينة غائبة، أو قال: لا أعرف لنفسى بينة، أو قال: لا بينة لى - قيل له: إن شئت فدع تحليفه حتى تحضر بينتك أو لعلك تجد بينة، وإن شئت حلفته وقد سقط حكم بينتك الغائبة جملة، فلا يقضى لك بها أبدًا


(١) سبق تخريجه.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) موطأ مالك: كتاب الحدود حديث رقم ١٣٩٠.
(٤) المغنى مع الشرح الكبير: ١٢/ ١٢٧ - ١٢٨، وكتاب الفروع في فقه الإمام الربانى أحمد بن حنبل الشيبانى: ٣/ ٨٦٧ وما بعدها.