للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال في المحصول: ومنشأ الخلاف أن قول القائل لغيره افعل: هل معناه افعل في الزمان الثاني فإن عصيت ففى الثالث فإن عصيت ففى الرابع ثم كذلك أبدًا، أو معناء في الثاني من غير بيان حال الزمان الثالث والرابع. فإن قلنا بالأول اقتضى الأمر الأول الفعل في سائر الأزمان وإن قلنا بالثانى لم يقتضه.

والحق أن الأمر المطلق يقتضى الفعل من غير تقييد بزمان فلا يخرج المكلف عن عهدته إلا بفعله وهو أداء وإن طال التراخى لأن تعيين بعض أجزاء الوقت له لا دليل عليه. واقتضاؤه الفور لا يستلزم أنه بعد أول أوقات الإمكان قضاء بل غاية ما يستلزمه أن يكون المكلف آثما بالتأخير عنه إلى وقت آخر.

[سادسا: الإباضية]

قال صاحب طلعت الشمس: (١)

إذا فات وقت الفرض المؤقت بعذر كان في تأخير الفعل أو المكلف الفعل بلا عذر منه فإنه يجب عليه تداركه بالقضاء اتفاقا. واختلفوا في الدليل الذي وجب به القضاء.

فذهب أكثر العلماء والبدر الشماخى إلى أن الدليل الذي وجب به القضاء هو شئ غير الدليل الذي وجب به الأداء. واستدلوا بآية الصوم وحديث النوم عن الصلاة ونسيانها.

ثم قال: فقوله تعالى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} دليل لوجوب القضاء وهو غير الدليل الذي وجب به الصوم ابتداء فإن وجوب الصوم ابتداء إنما وجب بقوله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (٢) وكذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فليصلها إذا ذكرها"، فإن هذا الأمر دليل لوجوب القضاء للصلاة وهو غير الأمر الذي وجب به أداء الصلاة فإن أداءها وجب بقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (٣) ونحوه. فظهر أن الأمر الذي وجب به القضاء هو غير الأمر الذي وجب به الأداء وحكى رأى المخالفين ونقض أدلتهم.

[سابعا: الجعفرية]

ذكر صاحب قوانين الأصول للمذهب المختار له وهو رأى الجمهور فقال: (٤)

الحق أن الأمر لا يقتضى إلا الإتيان بالمأمور به في الوقت ووجوب القضاء يحتاج إلى أمر جديد. ثم ساق ما بنى عليه العضد المسألة في شرحه للمختصر. فقال:

بلى العضد المسألة على أن قولهم صم يوم الخميس مركب في اللفظ والزمن من شيئين:

هل المأمور به فيه شيئان يبقى أحدهما بعد انتفاء الآخر؟ أو شئ واحد؟

وقال: إن هذا الخلاف مبنى على الخلاف في أن الجنس والفصل متمايزان في الوجود الخارجى أم لا وعلق على ذلك بقوله: الظاهر أن مراد العضد التنظير لأن قيد الزمان في قولنا صم الخميس خارج عن الماهية ثم قال:

ورده بعض المحققين بأن كونهما شيئين في الخارج لا يقتضى كون القضاء بالفرض الأول ولا يتنافى كونه بفرض جديد لاحتمال أن يكون غرض الآمر الإتيان بهما مجتمعين، فمع انتفاء أحدهما ينتفى الاجتماع. وكذلك لا يجدى كونهما


(١) طلعت الشمس جـ ١ ص ٤٥.
(٢) آية ١٨٥ سورة البقرة.
(٣) آية ٢٠ سورة المزمل.
(٤) قوانين الأصول ص ١٣٢.