للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لك بما فى ذمتك من دين لى فلا يبرأ بذلك الا بعد وفاته.

وقد يكون فى صورة اقرار كما فى ابراء الاستيفاء، وسيأتى.

والابراء كما يظهر من التعريف به اسقاط‍ لحق شخص قبل شخص آخر ولذا كان ضربا أو نوعا من الاسقاط‍، لأن الاسقاط‍ كما يكون تركا لحق فى ذمة شخص واطراحا له كما فى اسقاط‍ الدين تشغل به ذمة المدين يكون لحق ثابت لصاحبه دون ان تشغل به ذمة آخر كما فى اسقاط‍ الشفيع حقه فى الشفعة وكما فى اسقاط‍ الموصى له بسكنى دار حقه فى سكناها وعلى ذلك يكون كل ابراء اسقاطا وليس كل اسقاط‍ ابراء ومع ظهور هذا المعنى فيه على هذا التفسير فانه يحتمل تفسيرا آخر يجعله من قبيل التمليك، ذلك لأن صاحب الدين لا يستطيع محو دينه الثابت فى ذمة مدينه وإنما يستطيع تركه واطراحه وذلك ما يعنى تركه للمدين وتمليكه اياه وعدم مطالبته به.

وعلى هذا الأساس البادى من التأويلين السابقين ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والزيدية والشيعة الإمامية الى أنه يحمل معنيين معنى الاسقاط‍ بالنظر إلى الدائن إذ قد تخلى عنه فلم يبق من عناصر ثرائه وأنقطعت مطالبته به ومعنى التمليك بالنظر إلى المدين إذ قد تملكه فزاد ثراؤه بقدره ألا يرى أنه كان مطالبا بانتقاص قدره من ماله فى سبيل الوفاء به فاستبقى له ذلك وذلك ما يعنى تملكه إياه وقد كان لهذين المعنيين فيه أثر فيما أعطى من أحكام فأعطى بعض أحكام التمليك تغليبا لهذه الناحية فيه، وأعطى بعض أحكام الإسقاط‍ تغليبا لهذه الناحية فيه، كما كان من قبيل التبرع لأنه يتم لا فى نظير عوض.

[أما الحنابلة]

فقد كان نظرهم إليه على أنه إسقاط‍ فكان له حكم الإسقاط‍ عندهم فى جميع أحواله أو أن ذلك كان نظر جمهورهم (١).

٢ - أركانه:

وركنه عند الحنفية الإيجاب الصادر من صاحب الحق وهو ما يصدر منه من عبارة تدل على ترك حقه واطراحه دلالة واضحة لا احتمال فيها أو ما يقوم مقام ذلك من كتابة أو إشارة.

والشافعية ومن أجرى علي اصطلاحهم يرون أن أركانه أربعة: صاحب الحق المبدئى وعبارته «الايجاب» والحق المبرأ منه والمدين اذ أن الإبراء لا يتحقق إلا بهذه الأركان ولا يتصور إلا بها.

ويكون إيجاب فيه بمثل إبرأتك من دينى أو أحللتك منه أو أسقطته عنك أو ملكتك إياه أو تركته لك أو نحو ذلك.

ويرى ابن حزم عدم صحته بألفاظ‍ التمليك مثل وهبت أو أعطيت أو ملكت لأنه لا يملك ألا الشئ الموجود المادى المعلوم مكانه، أما الأوصاف الأعتبارية فلا تقبل تمليكا، ولكنه مع ذلك أستثنى صحته بلفظ‍ التصديق، وإن كانت من ألفاظ‍ التمليك، لورود النص بذلك، فقد قال تعالى: «وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا} (٢)» وتصدقهم عند ذلك انما يكون


(١) راجع تكملة ابن عابدين ج‍ ٢ ص ٣٤٧ طبعة بولاق والاشباه للسيوطى ص ١٨٧. والدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج‍ ٤ ص ٩٩ طبعة الحلبى وشرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج‍ ٤ ص ٢٥٨ وكشاف ج‍ ٢ ص ٤٧٧.
(٢) آية ٩٢ سورة النساء.