عمر رضى الله تعالى عنه ثمانين وفى حديث ابن عمر ائتونى بسوط فجاءه أسلم مولاه بسوط دقيق فأخذه عمر فمسحه بيده ثم قال لأسلم ائتنى بسوط غير هذا فلما أتاه به تاما فأمر عمر رضى الله تعالى عنه بقدامة فجلد اذا ثبت هذا فان السوط يكون وسطا لا حديدا فيجرح ولا خلعا فلا يؤلم لما روى أن رجلا اعترف عند النبى صلّى الله عليه وسلّم فأتى بسوط مكسور فقال فوق هذا فأتى بسوط حديد لم يكسر بموته فقال بين هذين رواه مالك عن زيد بن مسلم مرسلا وروى عن أبى هريرة مسندا وقد روى عن على رضى الله تعالى عنه أنه قال وضرب بين ضربين وسوط بين سوطين عنى وسطا لا شديد فيقتل ولا ضعيف فلا يردع ثم قال صاحب الشرح ولا يمد ولا يربط ولا يجرد.
قال ابن مسعود رضى الله عنه ليس فى ديننا مد ولا قيد ولا تجريد وجلد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينقل عن أحد منهم مد ولا قيد ولا تجريد بل يكون عليه القميص القميصان وان كان عليه فرو أوجبة محشوة نزعت لأنه لو ترك عليه ذلك لم يبال بالضرب قال أحمد رحمه الله تعالى لو تركت عليه ثياب الشتاء ما بالى بالضرب ودليلنا قول ابن مسعود رضى الله تعالى عنه ولم نعلم عن أحد من الصحابة خلافه والله سبحانه وتعالى لم يأمر بتجريده وانما أمر بجلده ومن جلد من فوق الثوب فقد جلد ثم قال ولا يبالغ فى ضربه بحيث يشق الجلد لأن المقصود أدبه لاهلاكه ويفرق الضرب على أعضائه وجسده فيأخذه كل عضو منه حصته ويكثر منه فى مواضع اللحم كالإيتين والفخذين ويتقى المقاتل وهو الرأس والفرج من المرأة والرجل جميعا لقول على رضى الله تعالى عنه الكل موضع من الجسد حظ الا الوجه والفرج لأن ما عدا الأعضاء الثلاثة ليس بمقتل فأشبه الظهر ولأن الرأس مقتل فأشبه الوجه ولأنه ربما أدى فى رأسه الى ذهاب سمعه أو بصره أو عقله أو قتله والمقصود أدبه لا قتله والمرأة كذلك فيما ذكرنا من صفة الجلد الا أنها تضرب جالسة وتشد عليها ثيابها وتمسك يداها لئلا تنكشف وذلك لقول على رضى الله تعالى عنه ويفارق اللعان فانه لا يؤدى الى كشف العورة وما عدا الأعضاء الثلاثة.
[مكان إقامة الحد]
جاء فى الشرح الكبير (١) أن إقامة الحدود لا تكون فى المساجد لما روى حكيم بن حزام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يستقاد فى المسجد وأن ينشد فيه الأشعار وأن تقام فيه الحدود لأنه لا يؤمن أن يحدث من الحدود شئ يتلوث به المسجد فان أقيم فيه سقط الفرض لحصول المقصود وهو الزجر ولأن المرتكب للنهى غير المحدود فلم يمنع ذلك سقوط الفرض عنه كما لو اقتص فى المسجد وجاء فى المغنى: من قتل أو أتى حدا خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم فانه لا يبايع ولا يشارى حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحد، ومن انتهك حرمة الحرم بجناية توجب حدا أو قصاص فإنه يقام عليه حدها لا نعلم فيه خلافا، وقد روى الأثرم باسناده عن ابن عباس أنه قال: من أحدث حدثا فى الحرم أقيم عليه ما أحدث فيه من شئ وقد أمر الله تعالى بقتال من قاتل فى الحرم فقال تعالى: {وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ}، فاباح قتلهم عند قتالهم فى الحرم ولأن أهل الحرم يحتاجون ألى الزجر عند ارتكاب المعاصى كغيرهم حفظا لأنفسهم وأموالهم وأعراضهم فلو لم يشرع الحد فى حق ما ارتكب الحد فى الحرم لتعطلت حدود الله تعالى فى حقهم وفاتت هذه المصالح التى لا بد منها ولا يجوز الاخلال بها ولأن الجانى فى الحرم هاتك لحرمته فلا ينتهك الحرم لتحريم ذمته
(١) الشرح الكبير لا بن قدامة ج ١٠ ص ١٢٧، ص ٢٣٦، ٢٣٧، ٢٣٨ وما بعدها.