للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بينهما بيع بالنقد الحال؛ ولو كان ثبوت الخلطة بشهادة امرأة لأن القصد من الخلطة حصول الظن بثبوت المدعى به وهو يثبت بشهادة الواحد ولو أنثى ولا تثبت الخلطة ببينة جرحها المدعى عليه بعداوة ونحوها، ثم إن الذي عليه العمل أنه لا يشترط في توجه اليمين ثبوت الخلطة، وهو قول ابن نافع وصاحبه (١).

وفى المتيطية عن ابن الحكم مثل ذلك، وأن اليمين تجب على المدعى عليه دون خلطة، وبه أخذ ابن لبابة وغيره من المتأخرين؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "البينة على المدعى واليمين على من أنكر".

أما ما ذكره خليل من اشتراط الخلطة لتوجه اليمين على المنكر فهو قول الإمام مالك وعامة أصحابه، وهو المشهور من المذهب، لكن المعتمد قول ابن نافع لجريان العمل به، ومعلوم أن ما جرى به العمل مقدم على المشهور في المذهب إن خالفه (٢).

[القسم الثاني: الدعاوى التي لا تثبت إلا بشاهدين]

وهذه لا تتوجه اليمين فيها على المنكر بمجردها، فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: أن كل دعوى لا تثبت إلا بعدلين كالقتل والعقد والنكاح والطلاق فلا يمين على المدعى عليه بمجردها من المدعى بل حتى يقيم عليها شاهدًا واحدًا ويعجز عن الثاني فيحلف المدعى عليه لرد شهادته، فإذا ادعى إنسان على شخص أنه قتل وليه ولم يقم بينة فلا يمين على ذلك الشخص المدعى عليه، إذا ادعى العبد على سيده أنه أعتقه أو كاتبه بكذا ولم تقم بينه فلا يمين على ذلك السيد، أو ادعت المرأة على زوجها أنه طلقها ولم تقم بينة فلا يمين على الزوج، أو ادعى إنسان على ولى مجبره أنه زوَّجِه بنته أو أمته ولم يقم بينة فلا يمين على الولى، فإن لم تتجرد الدعوى بأن أقام المدعى عدلًا فقط توجهت اليمين على المدعى عليه، ولا ترد لكن توجهت في غير النكاح، فإن حلف من توجهت عليه وهو المدعى عليه كالسيد في العتق ترك وإن نكل حُبس، فإن طال حبسه دُيِّن (٣). أما في النكاح فلا تتوجه اليمين كما لو ادعى رجل أن فلانًا زوجه ابنته وأنكر الأب فأقام الزوج شاهدًا واحدًا بذلك فلا تتوجه اليمين على الأب، ولا يثبت النكاح والفرق بين النكاح وغيره كالعتق والطلاق أن الطالب في النكاح الشهرة فشهادة الواحد فيه ريبة؛ فلذا لم يطالب الولى المجبر باليمين لرد شهادة الشاهد بخلاف غير النكاح كالعتق والطلاق فإنه ليس الطالب فيه الشهرة فلا ريبة في شهادة الواحد فيه؛ ولهذا أمر المدعى عليه باليمين لرد شهادته، ولا يجوز للمدعى عليه أن يرد هذه اليمين على المدعى بحيث إذا حلفها يثبت الحق المدعى به من قتل وعتق ونكاح وطلاق؛ لئلا يلزم ثبوت ما ذكر بشاهد ويمين مع أنه لا يثبت إلا بعدلين، وحينئذ فلا فائدة في رد اليمين على المدعى (٤).


(١) حاشية الدسوقى: ٤/ ١٤٥.
(٢) هامش تهذيب الفروق ١٣٨.
(٣) أي: وكُل إلى دينه.
(٤) الشرح الكبير: ٤/ ١٥١.