للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عامان، ولا يصحّ لأحد أن يخرج عنهما شيئا إلا ما أخرجه نصّ أو إجماع. واليمين في الدعاوى كلها دماء كانت أو غيرها يمين واحدة فقط على من ادعى عليه إلا في الزنا والقسامة، وما عدا ذلك فعلى عمومه (١). ومن ادعى عليه أنه صرح بالقذف وهو منكر فلا تحليف في ذلك؛ لأن الحد في ذلك من حدود الله - عز وجل - وحقوقه، لا من حقوق الآدميين (٢).

"ومن ادّعت على رجل أنه غلبها على نفسها فهى مشتكية مدعية؛ وليست قاذفة، وتكلف البيّنة على دعواها، فإن جاءت بها أقيم حدّ الزنا على الرجلء وإن لم تأت ببينة فلا شئ على الرجل أصلًا، فإن قال قائل: فإن لم تكن بيّنة فاقضوا عليه باليمين، قلنا: إن دعواها انتظمت حقًّا لها وحقًّا لله تعالى، فحقها هو التعدى عليها وظلمها، وحق الله تعالى هو الزنا فواجب أن يحلف لها في حقها، فيحلف بالله ما تعديت عليك في شئ ولا ظلمتك وتبرأ ذمته، ولا يجوز أن يحلف بالله ما زنى؛ لأنه لا خلاف في أن أحدًا لا يحلف في حقّ ليس له فيه مدخل (٣).

[مذهب الزيدية]

أولًا: أثر الإنكار في وجوب اليمين على المنكر:

البينة على المدعى، وعلى المنكر اليمين (٤)، ومن ثبت عليه دين أو يمين فادعى فيه حقًّا أو إسقاطا كأجل وإبراء أو كونه لغير المدعى ذاكرًا سبب يده لم تقبل إلا ببينة، فلو ادّعى رجل على رجل مالًا أو عينًا قر له بذلك. أو ثبت عليه بالبينة؛ لكن ادّعى فيه حقًّا أو إسقاطا، فالحق نحو أن يدعى عليه دينًا فيقرّ به مؤجّلا أو دارًا فيقرّ بها ويدعى أنها في يده رهن أو إجارة. والإسقاط نحو أن يدعى عليه دينا فيقرّ به ويدعى أنه قد أبرأه؛ ومن الحق أن يقر بأن ذلك الشئ في يده لكن يذكر أنه لغير المدعى، ويذكر سبب كونه في يده من ذلك الغفير من عارية أو رهن أو غيرهما؛ فإن لم يذكر السبب لم يسمع قوله ولو بيّن عليه؛ لأنها دعوى لغير مدعٍ بخلاف ما إذا ذكر السبب فقد صارت البينة لمدعى، وهو من الشئ في يده؛ لأنه يدعى حق الحفظ في الوديعة والانتفاع في المستأجر والمستعار والحبس في الرهن لكن لا يقبل قوله في هذا كله إلا ببيّنة (٥)، فإن بين قبلت بينته سواء ثبت الدين بالبينة أو بالإقرار، وسواء كان الدين عن كفالة أو غيرها، وقال صاحب الوافى: إن كان الدين عن كفالة قُبِل قوله، وإلا فعليه البيّنة. وحاصل الكلام في المدعى عليه إذا أقرّ بما ادعي عليه لغير المدعى أن المقرّ له لا يخلو إما أن يكون حاضرًا أو غائبًا؛ إن كان غائبًا؛ فالمقرّ لا يخلو إما أن يضيف إلى سبب أو لا، إن لم يضف لم يمنع هذا الإقرار الدعوى عنه سواء أقام البينة أم لا، بل يحكم للمدعى بما ادعاه إذا أقام البينة أو نكل المدعي عليه عن اليمين. وأما إذا أضاف إلى سبب فإن أقام البينة أنه لفلان الغائب وأنه في يده بحقّ ذلك السبب قبلت بينته وانصرفت عنه الدعوى عندنا خلافًا للمؤيّد بالله. هذا إذا عيِّن


(١) المحلى: ١١/ ٨٤.
(٢) المحلى: ١١/ ٣٨١ مسألة رقم ٢٢٣١.
(٣) المحلى: ١١/ ٩٣ مسألة رقم: ٢٢٤١.
(٤) شرح الأزهار: ٤/ ١١٩.
(٥) شرح الأزهار: ٤/ ١٢٦.