للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

البيع بثمن حال ومؤجل إذا كان الأجل معلوما للإطلاق فى قول الله تعالى «وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا» ولما رواه البخارى عن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: إن الرسول صلى الله عليه وسلم «اشترى طعاما نسيئة من يهودى إلى أجل ورهنه درعا له من حديد» ومما يجوز التأجيل فيه رأس مال السلم عند الإقالة وكذا القرض يقول ابن عابدين (١) إن القرض يصح تأجيله مع كونه غير لازم لكن قال فى الهداية إن تأجيله لا يصح لأنه إعارة وصلة فى الابتداء حتى يصح بلفظ‍ الإعارة ولا يملكه من لا يملك التبرع وهو معاوضة فى الانتهاء فعلى اعتبار الابتداء لا يلزم التأجيل فيه كما فى الإعارة إذ لا جبر فى التبرع وعلى اعتبار الانتهاء لا يصح لأنه يصير بيع الدراهم بالدراهم نسيئة وهو ربا، قال ابن عابدين إن مقتضى هذه العبارة أن قوله «لا يصح على حقيقته لأنه إذا وجد فيه ما يقتضى عدم اللزوم وما يقتضى عدم الصحة ولا منافاة وجب اعتبار عدم الصحة، ولهذا علل فى الفتح لعدم الصحة أيضا بقوله: ولأنه لو لزم كان التبرع ملزما للمتبرع. ثم نقل ابن عابدين عن القنية أن التأجيل فى القرض باطل.

وقالوا: إن التأجيل فى بدل الكتابة جائز كالتنجيم. جاء فى الدر المختار (٢) تعليقا على ما أورده التمرتاشى فى تنوير الأبصار عن شرط‍ الكتابة. قال لا يشترط‍ كون البدل منجما أو مؤجلا لصحتها بالحال ونقل عن باب السلم فى الجوهرة أنه يجوز تأجيل رأس مال السلم بعد الإقالة لأنه دين لا يجب قبضه فى المجلس كسائر الديون ومما يجب التأجيل فيه السلم جاء فى الهداية وشروحها (٣) لا يجوز السلم إلا مؤجلا لقوله عليه الصلاة والسلام «من أسلم منكم فليسلم إلى أجل معلوم» ولأنه شرع رخصة دفعا لحاجة المفاليس فلا بد من الأجل ليقدر على التحصيل فيسلم ولو كان قادرا على التسليم لم يوجد المرخص ويحرم الأجل عند الأحناف فى مثل الربويات ومنها عقد الصرف.

جاء فى الهداية وشروحها (٤): ولا بد من قبض العوضين قبل الافتراق لقوله صلى الله عليه وسلم «الذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد» ولقول عمر فى الصرف «وإن استنظرك أن يدخل بيته فلا تنظره ولأنه لا بد من قبض أحدهما ليخرج العقد عن الكالئ بالكالئ، ثم لا بد من قبض الآخر تحقيقا للمساواة فلا يتحقق الربا ولأن أحدهما ليس بأولى من الآخر فوجب قبضهما سواء كانا متعينين كالمصوغ أم لا يتعينان كالمضروب.

[مذهب المالكية]

المالكية يجيزون البيع فى غير الربويات بثمن مؤجل. جاء فى فروعهم (٥) «سئل عبد الرحمن بن القاسم عمن باع ثوبا بمائة درهم إلى أجل شهر ثم اشترى بمائة درهم إلى الأجل. أيصح ذلك فى قول مالك. قال: نعم لا بأس فى ذلك


(١) حاشية ابن عابدين ج‍ ٤ ص ١٨٧.
(٢) مطبوع بهامش حاشية ابن عابدين ج ٥ ص ٦٦.
(٣) الفتح ج‍ ٥ ص ٣٣٥ طبع مصطفى محمد.
(٤) الفتح ج‍ ٥ ص ٣٦٩.
(٥) - المدونة ج‍ ٩ ص ١١٧ طبعة الساسى.