للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القاضي رحمه الله تعالى: وكذلك يجئ في كل من لزمته نفقته من أخ وعم أو غيرهم لأن أحمد قد نص في العبد يلزمه أن يزوجه إذا طلب ذلك وإلا بيع عليه. وكل من لزمه إعفافه لزمته نفقة زوجة لأنه لا يتمكن من الإِعفاف إلا بذلك، وقد روى عن أحمد رضى الله تعالى عنه أنه لا يلزم الأب نفقة زوجة الابن وهذا محمول على أن الابن كان يجد نفقتها (١).

[ثالثا: حكم الامتناع من نفقة المملوك]

جاء في المغنى أن السيد إذا امتنع مما يجب للعبد عليه من نفقة أو كسوة أو تزويج فطلب العبد البيع أجبر سيده عليه سواء كان امتناع السيد من ذلك لعجزه عنه أو مع قدرته عليه لأن بقاء ملكه عليه مع الإِخلال بسد خلاته إضرار به، وإزاله الضرر واجبة فوجبت إزالته، ولذلك أبحنا للمرأة فسخ النكاح عند عجز زوجها عن الإِنفاق عليها. وقد روى في بعض الحديث عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "عبدك يقول أطعمنى وإلا فبعنى، وامرأتك تقول أطعمنى أو طلقنى" وهذا يدل بمفهومه على أن السيد متى وفى بحقوق عبده فطلب العبد بيعه لم يجبر السيد عليه، وقد نص عليه أحمد رضى الله تعالى عنه، قال أبو داود: قيل لأبى عبد الله رحمه الله تعالى: استباعت المملوكة وهو يكسوها مما يلبس ويطعمها مما يأكل. قال: لا تباع وإن أكثرت من ذلك إلا أن تحتاج إلى زوج فتقول زوجنى. وقال عطاء وإسحاق رضى الله تعالى عنهما في العبد يحسن إليه سيده وهو يستبيع: لا يبعه، لأن الملك للسيد والحق له فلا يجبر على إزالته من غير ضرر بالعبد كما لا يجبر على طلاق زوجته مع القيام بما يجب لها ولا على بيع بهيمته مع الإِنفاق عليها (٢). وإذا أبق العبد فلمن جاء به إلى سيده ما أنفق عليه، وإنما كان كذلك لأن نفقة العبد على سيده وقد قام الذى جاء به مقام سيده فى الواجب عليه فرجع به عليه كما لو أذن له، وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه: لا يرجع بشئ لأنه متبرع بإنفاق لم يجب عليه، ويدل لنا أنه أدى عنه ما وجب عليه عند تعذر أدائه منه فرجع به عليه، كما لو أدى الحاكم عن الممتنع من الإِنفاق على امرأته ما يجب عليه من النفقة، ويتخرج أن لا يرجع بشئ بناء على الروايه الأخرى فيمن أنفق على الرهن الذي عنده أو الوديعة أو الجمال إذا هرب فتركها مع المستأجر (٣). ومن ملك بهيمة لزمه القيام بها والإنفاق عليها ما تحتاج إليه من علفها أو إقامة من يرعاها لما روى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا. فلا هي أطعمتها ولا أرسلتها تأكل من خشاش الأرض" (٤). فإن امتنع من الإِنفاق عليها أجبر على ذلك، فإن أبى أو عجز أجبر على بيعها أو ذبحها إن كانت مما يذبح. وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه: لا يجبره السلطان بل يأمره به كما يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر؛ لأن


(١) المرجع السابق جـ ٧ ص ٥٨٩ نفس الطبعة.
(٢) المرجع السابق جـ ٧ ص ٦٣٢، ص ٦٣٣ نفس الطبعة.
(٣) المرجع السابق جـ ٧ ص ٦٣٤ نفس الطبعة.
(٤) متقق عليه.