للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن المرأة تدعى أمرًا حادثًا وهو الرد، والزوج ينكر القول، فكان القول قول المنكر ودليل الأصحاب أن المرأة - وإن كانت مدعية ظاهرًا - فهى منكرة في الحقيقة؛ لأن الزوج يدعى عليها جواز العقد بالسكوت، وهى تنكر؛ فكان القول قولها كالمودع إذا قال رددت الوديعة كان القول قوله. وإن كان مدعيًا الردَّ ظاهرًا يكون منكرًا للضمان حقيقة، كذا هنا (١).

وجاء في (الفتاوى الهندية): أن الزوج إن أقام البينة على سكوتها حين بلغها الخبر - العقد عليها - فهى امرأته، وإلا فلا نكاح بينهما، ولا يمين عليها في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى، وعندهما عليه اليمين - كذا في المحيط - وعليه الفتوى - كذا في شرح النقاية للشيخ أبى المكارم، فإذا نكلت يقضى عليها بالنكول، وإن أقام الزوج بينة على سكوتها حين بلغها الخبر وأقامت بينة على الرد فبينتها أولى كذا في المحيط، وإذا قال الشهود: كنا عندها ولم نسمعها تتكلم ثبت سكوتها بذلك، كذا في فتح القدير (٢).

[ثالثا: إنكار المهر والزيادة فيه]

موجز القول في هذه المسألة أن أبا حنيفة ومحمدًا يحكمان مهر المثل وينهيان الأمر إليه؛ أما أبو يوسف فلا يحكمه بل يجعل القول قول الزوج مع يمينه إلا أن يأتى بشئ مستنكر، وقد اختلف في تفسير المستنكر فقيل: هو أن يدعى أنه تزوجها على أقل من عشرة دراهم، وهذا التفسير يُرْوَى عن أبى يوسف؛ لأن هذا القدر مستنكر شرعًا؛ إذ لا مهر في الشرع أقل من عشرة، وقيل: هو أن يدعى أنه تزوجها على ما لا يزوج مثلها به عادة، وهذا يحكى عن أبى الحسن؛ لأن ذلك مستنكر عرفًا، وهو الصحيح من التفسير؛ لأنهما اختلفا في مقدار المهر المسمى، وذلك اتفاق منهما على أصل المهر المسمى، وما دون العشرة لم يعرف مهرًا في الشرع بلا خلاف بين أصحابنا، ووجه قول أبى يوسف أن القول قول المنكر في الشرع والمنكر هو الزوج؛ لأن المرأة تدعى عليه زيادة مهر وهو ينكر ذلك، فكان القول قوله مع يمينه كما في سائر المواضع (٣).

وإن كان المهر دينًا موصوفًا في الذمة بأن تزوجها على مكيل موصوف أو موزون موصوف أو مزروع موصوف فاختلفا في قدر الكيل أو الوزن أو الزرع، فالاختلاف فيه كالاختلاف في قدر الدراهم والدنانير (٤).


(١) بدائع الصنائع: ٢/ ٢٤٣.
(٢) الفتاوى الهندية: ١/ ٢٨٩.
(٣) بدائع الصنائع: ٢/ ٣٠٤، وتبيين الحقائق: ٢/ ١٥٦.
(٤) بدائع الصنائع: ٢/ ٣٠٦.