للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أشهب: ليس لها أن تأخذه لأنه رأى تركها إياه عند أبيه إسقاطا منها لحقها في حضانته، وقد قيل إن لها أن تأخذه إذا مات لأن تركها له عند أبيه إنما يحمل منها على إسقاط حضانتها للأب خاصة. وقال ابن نافع رحمه الله تعالى: لها أن تأخذ، وروى مثله لابن القاسم في المدونة أن لها أن تأخذه إلا أن يكون عرض عليها فأبت من أخذه، وهذا على الاختلاف في السكوت هل هو كالإِقرار والإِذن أم لا؟ وهو أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم رضى الله تعالى عنه (١).

[مذهب الشافعية]

جاء في مغنى المحتاج أن على الأم إرضاع ولدها اللبأ (٢) لأن الولد لا يعيش بدونه غالبا، وغيرها لا يغنى كما قاله في الكافى، والمراد كما قاله الرافعى رضى الله تعالى عنه أنه لا يعيش بدونه غالبا، أو أنه لا يقوى وتشتد بنيته إلا به، قال وإلا فإننا نشاهد من يعيش بلا لبأ. ولها أن تأخذ الأجرة عليه إن كان لمثله أجرة، ولا يلزمها التبرع بإرضاعه كما لا يلزم بدل الطعام للمضطر إلا بالبدل. ثم بعد إرضاع اللبأ لم يوجد إلا الأم أو أجنبية وجب على الموجود منهما إرضاعه إبقاء للولد، ولهما طلب الأجرة من ماله إن كان، وإلا فممن تلزمه نفقته. وإن وجدت الأم والأجنبية لم تجبر الأم وإن كانت في نكاح أبيه على إرضاعه لقول الله عز وجل: "وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى" (٣) وإذا امتنعت حصل التعاسر، فإن رغبت في إرضاعه وهى منكوحة أبى الرضيع فله منعها مع الكراهة من إرضاعه في الأصح لأنه يستحق الاستمتاع بها في الأوقات المصروفة إلى الرضاع، وهذا أقوى الوجهين في الشرحين، قلت الأصح ليس له منعها مع وجود غيرها، وصححه الأكثرون لأن فيه إضرارا بالولد لأنه عليه أشفق ولبنها له أصلح، ولا تزاد نفقتها للإرضاع، وإن احتاجت فيه إلى زيادة الغذاء لأن قدر النفقة لا يختلف بحال المرأة وحاجتها. ومثل المنكوحة البائن، فإن تبرعت لم ينزع الولد منها وإن طلبت أجرة فهى كالتى في نكاحه إذا توافقا وطلبت الأجرة. أما إذا كانت منكوحة غير أبى الرضيع فإن له منعها إلا أن تكون مستأجرة للإرضاع قبل نكاحه فليس له منعها كما قاله ابن الرفعة رضى الله تعالى عنه، وهذا كله كما قال الأذرعى في الزوجة والولد الحرين، أما لو كان رقيقا والأم حرة فله منعها كما لو كان الولد من غيره، ولو كانت رقيقة والولد حر أو رقيق قال فقد يقال من وافقه السيد منهما فهو المجاب ويحتمل غيره، والأول أوجه. فإن اتفقا على أن الأم ترضعه وطلبت أجرة مثل له أجيبت لقوله تعالى: "فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن" (٤). وكانت أحق به لما مر فاستئجار الزوج لها لذلك جائز، وقال العراقيون لا يجوز لأنه يستحق الاستمتاع بها في تلك الحالة فلا يجوز أن يعقد عليها عقدا آخر يمنع استيفاء الحق، وأجاب الأول بأن


(١) مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله بن عبد الرحمن المغربى الرعينى المعروف بالحطاب جـ ٤ ص ٢١٨، ص ٢١٩ في كتاب على هامشه التاج والإكليل لمختصر خليل للمواق الطبعة السابقة.
(٢) اللبأ بهمز وقصر اللبن النازل أول الولادة.
(٣) الآية رقم ٦ من سورة الطلاق.
(٤) الآية رقم ٦ من سورة الطلاق.