عاشرا: إجماع الصحابة مع خلاف
من أدركهم من مجتهدى التابعين
اختلفوا فى التابعى إذا كان من أهل الاجتهاد فى عصر الصحابة، هل ينعقد إجماع الصحابة مع مخالفته أو لا ينعقد؟
فمنهم من قال: إن كان التابعى من أهل الاجتهاد قبل انعقاد إجماع الصحابة فلا يعتد بإجماعهم مع مخالفته، وإن بلغ رتبة الاجتهاد بعد انعقاد إجماع الصحابة فلا يعتد بخلافه.
والقائلون بذلك هم أصحاب الشافعى وأصحاب أبى حنيفة، وهو مذهب أحمد ابن حنبل فى أحد الروايتين عنه.
ومذهب مالك والزيدية والإباضية على أصح القولين عندهم (١).
والدليل على ذلك: أنه فى حالة بلوغ التابعى رتبة الاجتهاد قبل إجماع الصحابة لا يصدق على الصحابة وحدهم لفظ «الأمة» مع مخالفة التابعى المجتهد لهم، وقد كان كثير من التابعين يفتون فى عهد الصحابة، وكان الصحابة يسوغون ذلك لهم، بل كانوا أحيانا يحيلون عليهم فى المسائل كالذى روى عن ابن عمر أنه سئل عن فريضة، فقال: اسألوا فيها سعيد بن جبير فإنه أعلم بها منى.
وعن الحسين بن على كرم الله وجهه أنه سئل عن مسألة فقال: اسألوا الحسن البصرى، إلى غير ذلك.
أما فى حالة عدم بلوغ التابعى مرتبة الاجتهاد عند إجماع الصحابة فالأمر يختلف إذ لفظ «الأمة» ينطبق على الذين أجمعوا وحدهم، فهم أهل الحل والعقد حينئذ دون غيرهم، ولا عبرة ببلوغ التابعى مرتبة الاجتهاد بعد ذلك، فقد قام الإجماع قبله وانتهى الأمر.
وينبغى أن يعلم أن هؤلاء هم الذين يقولون بعدم اشتراط انقراض العصر، أى أن الإجماع يعتبر قائما فى لحظة انعقاده ولا ينتظر انقراض المجمعين بالموت حتى يتبين أن أحدا منهم لم يرجع، وسيأتى الكلام على هذا الشرط.
ومنهم من قال: لا ينعقد إجماع الصحابة مع مخالفة التابعى سواء أكان من أهل الاجتهاد حالة إجماعهم أو صار مجتهدا بعد إجماعهم لكن فى عهدهم، وهؤلاء هم الذين يشترطون فى تمام الإجماع انقراض عصر المجمعين.
وكلا الفريقين من الذين يقولون بأنه لا ينعقد الإجماع بموافقة الأكثر مع مخالفة الأقل.
ومن الناس من يقول: لا عبرة بمخالفة التابعى أصلا إذا أجمع الصحابة، والقول بذلك مروى عن أحمد فى إحدى روايتين.
ويتفق هذا مع مذهب القائلين بأن إجماع الأكثر معتد به ولو خالف الأقل.
(١) الأحكام للآمدى ج ١ ص ٣٤٤ ومسلم الثبوت وشرحه ج ٢ ص ٢٢١، ٢٢٢ والذخيرة ج ١ ص ١١٠ للمالكية. وشفاء العليل على الكافل للزيدية ج ١ ص ٦٣، وطلعة الشمس للإباضية ج ٢ ص ٨١.