للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: لا نسلم أن الآمر بالشئ عند كونه آمرا به يتصور أن يكون غافلا عن طلب ترك ما يمنع من فعل المأمور به من جهة الجملة وإن كان غافلا عن تفصيله. ونحن إنما نريد بقولنا إن الأمر بالشئ يستلزم النهى عن الأضداد من جهة الجملة لا من جهة التفصيل.

وقولهم: إنه يمتنع أن يكون النهى عن الأضداد غير الأمر. قلنا: دليله ما سبق.

وما ذكره القاضي أبو بكر من الدليل فالمختار منه إنما هو قسم التخالف ولا يلزم من ذلك جواز انفكاك أحدهما عن الآخر لجواز أن يكونا من قبيل المختلفات المتلازمة كما في المتضايفات. وكل متلازمين من الطرفين. وبه يمتنع الجمع بين وجود أحدهما وضد الآخر. ولا يلزم من جواز ذلك في بعض المختلفات جوازه في الباقي.

وإذا بطل ما ذكره من دليل الاتحاد بطل ما هو مبنى عليه.

[٢ - ابن الحاجب]

حكى العضد في شرحه لمختصر ابن الحاجب المذاهب المختلفة في هذه المسألة وبين محل النزاع فقال: (١)

"وليس الكلام في هذين المفهومين - مفهوم الأمر والنهى - لتغايرهما لاختلاف الإضافة قطعا. ولا في اللفظ، إنما النزاع في أن الشئ المعين إذا أمر به فهل ذلك الأمر نهى عن الشئ المعين المضاد له؟ أو لا فإذا قال: تحرك فهل هو في المعنى بمثابة أن يقول: لا تسكن؟.

ثم أورد مذاهب العلماء في ذلك وأدلة كل منهم فيما ذهب إليه. وأضاف إلى ما ذكره الآمدى استدلالا لما ذهب إليه أبو بكر الباقلانى وتفصيلا لما أورد ابن الحاجب في هذا المقام. من القول بأن الأمر بالشئ يتضمن النهى عن ضده فقال:

القائلون بأن الأمر بالشئ يتضمن النهى عن ضده لهم حجتان:

الأولى: أن أمر الإيجاب طلب فعل يذم على تركه اتفاقا؛ ولا ذم إلا على فعل لأنه المقدور وهو هنا الكف عن الضد أو فعل ضده؛ وكلاهما ضد للفعل. والذم بأيهما كان. فالأمر بالشئ يستلزم النهى عن ضده إذ لا ذم بما لم ينه عنه لأن الذم معناه النهى كما فسره السعد في حاشيته على العضد وقال: معنى ذلك أن النهى عنه ما يذم فاعله وإلا فحقيقة النهى طلب الكف عن الفعل الثانية: أنه لا يتم الواجب وهو فعل المأمور به إلا يترك ضده. وهذا الترك إما أن يكون الكف عن الضد أو نفى الضد على الرأيين. "المطلوب بالنهى الكف عن الفعل أو نفى الفعل". وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فالكف عن الضد أو نفى الضد واجب وهو معنى النهى عنه.

[ثانيا: الحنفية]

نكتفى بالبحث الذي عقده الكمال بن الهمام وشارحه ابن أمير الحاج لهذه المسألة وفيه (٢)


(١) شرح العضد علي المختصر المنتهي حـ ٢ ص ٨٥
(٢) التقرير والتحبير ط ص ٣٢٠