للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إمساك العين المستأجرة]

وكذلك ليس للمؤجر بنقد حال إمساك العين المستأجرة لاستيفاء الأجرة فإن تنازعا أيهما يسلم قبل الآخر فالحكم على التفصيل السابق في تنازع البائع والمشترى (١) وفى خلال إمساك المالك للعين المستأجرة إن تصرف فيها قبل تسليمها أو امتنع من التسليم حتى انقضت المدة انفسخت الإجارة بذلك، لأن العاقد قد أتلف المعقود عليه قبل تسليمه فأشبه تلف الطعام قبل قبضه وإن سلمها إلى المستأجر في أثناء المدة - أي بعد إمساكها عنه فترة انفسخت الإجارة فيما مضى من مدة الإجارة وتجب أجرة الباقى بالقسط من المسمى (٢).

وكذا لو انهدم البعض من الدار المتسأجرة ونحوها وأمسك المتسأجر البقية التي لم تهدم فبالقسط من الأجرة. أي تقسم الأجرة على ما انهدم وعلى ما بقى ويلزمه قسط الباقى (٣).

وإمساك المستأجر للدابة المستأجرة وحبسها مدة الإجارة يوجب الأجرة (٤). قال صاحب كشاف القناع: وتستقر الأجرة أيضا ببذل تسليم عين العمل في الذمة إذا مضت مدة يمكن الاستيفاء فيها كما لو قال: اكتريت منك هذه الدابة لأركبها إلى بلد كذا بكذا ذهابا وإيابا وسلمها إليه المؤجر ومضت مدة يمكن فيها ذهابه إلى ذلك البلد ورجوعه على العادة ولم يفعل، نقل ذلك في المغنى عن الأصحاب، لأن المنافع تلفت تحت يده باختياره فاستقر الضمان عليه (٥).

ويلزم المؤجر إمساك البعير ونحوه للمستأجر لينزل لقضاء حاجة الإنسان من بول أو غائط ويلزمه أيضا إمساكه له لينزل لأجل الطهارة، ويدع البعير واقفا حتى يفعل ذلك، أي يقضى حاجته ويتطهر ويصلى الفرض، لأنه لا يمكنه فعل شي من ذلك على ظهر الدابة ولابد له منه بخلاف نحو أكل وشرب مما يمكنه راكبا. فإن أراد المستأجر إتمام الصلاة فطالبه الجمّال بقصرها لم يلزمه القصر، لأنه رخصة بل تكون الصلاة خفيفة في تمام جمعا بين الفرضين (٦).

وإن أمسك الصانع الثوب وحبسه عن صاحبه لاستيفاء أجرته بعد عمله -أي بعد قصره أو خياطته أو صبغه ونحوه- فتلف ضمنه، لأن صاحبه لم يرهنه عنده ولا أذن له في إمساكه فلزمه الضمان كالغاصب.

إلا أنه يحق له إمساكه وحبسه عن صاحبه في صورة ما لو اشترى شخص ثوبا مثلا ودفعه لصانع ليعمل فيه شيئا فعمله ثم أفلس المشترى وجاء بائعه له يطلبه بعد فسخه البيع لوجود متاعه عند من أفلس فللصانع في هذه الصورة إمساك الثوب وحبسه لاستيفاء أجرته. لأن العمل الذي هو عوضها موجود في عين الثوب فملك حبسه مع ظهور عسرة المستأجر كمن أجر دابته أو نحوها لإنسان بأجرة حالة ثم ظهر إعسار المستأجر فإن للمؤجر إمساكها وحبسها عنه وفسخ الإجارة. ثم إن كانت أجرته أكثر مما زادت.


(١) المرجع السابق جـ ٢ ص ٤٩، ٧٨
(٢) المرجع السابق جـ ٢ ص ٣٠٨
(٣) المرجع السابق جـ ٢ ص ٣١٠
(٤) المغنى لابن قدامة ومعه الشرح الكبير جـ ٦ ص ١٢٦ طبعة دار المنار.
(٥) كشاف القناع السابق جـ ٢ ص ٣١٨
(٦) المرجع السابق جـ ٢ ص ٣٠٥