فليس الطلب من الله تعالى كالطلب من الآدميين، وإنما هو استدعاء فعل لمصلحة العبد وهذا يحصل مع الاستحالة لكى يكون توطئة للنفس على عزم الامتثال أو الترك لطفا به في الاستعداد والانحراف عن الفساد، وهذا متصور، ويتصور من السيد أيضا أن يستصلح عبده بأوامر ينجزها عليه مع عزمه على فتح الأمر قبل الامتثال امتحانا للعبد واستصلاحا له، ولو وكل رجلا في عتق عبده غدا مع عزمه على عتق العبد صح، ويتحقق فيها المقصود من استمالة الوكيل وامتحانه في إظهار الاستبشار بأوامره والكراهية له وكل ذلك معقول الفائدة فكذا هاهنا. وقولهم يفضى إلى تقدم المشروط على الشرط. قلنا ليس هذا شرطا لذات الأمر، بل الأمر موجود وجد الشرط أم لم يوجد، وإنما هو شرط لوجوب التنفيذ فلا يفضى إلى ما ذكروه (١).
[ثانيا: الامتناع في استعمال الفقهاء حكم امتناع الولى من تزويج موليته]
[مذهب الحنفية]
جاء في حاشية ابن عابدين نقلا عن المنتقى أنه إذا كان للصغيرة أب امتنع عن تزويجها لا تنتقل الولاية إلى الجد، بل يزوجها القاضي، ونقل مثله ابن الشحتة عن الغاية عن روضة الناطقى، وكذا المقدسى عن الغاية. وأشار إليه الزيلعى حيث قال في مسألة تزويج الأبعد بغيبة الأقرب: وقال الشافعي رحمه الله تعالى بل يزوجها الحاكم اعتبارا بعضله، وكذا قال في البدائع أن نقل الولاية إلى السلطان أي حال غيبة الأقرب باطل؛ لأنه ولى من لا ولى له، وهاهنا لها ولى أو وليان، فلا تثبت الولاية للسلطان إلا عند العضل من الولى ولم يوجد. وكذا فرق في التسهيل بين الغيبة والعضل بأن العاضل ظالم بالامتناع فقام السلطان مقامه في دفع الظلم بخلاف الغائب خصوصا للحج، وبه أفتى العلامة ابن شلبى رحمه الله تعالى، فهذه المنقول تفيد الاتفاق عندنا على ثبوتها بعضل الأقرب للقاضى فقط. و أما ما في الخلاصة والبزازية من أنها تنتقل إلى الأبعد بعضل الأقرب إجماعا فالمراد بالأبعد القاضي لأنه آخر الأولياء، فالتفضيل على بابه. وحمله في البحر على الأبعد من الأولياء، ثم ناقض نفسه بعد
(١) روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه لموفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن قدامه المقدسى الدمشقى جـ ٢ ص ١٠٧ وما بعدها إلى ص ١١١ في كتاب أسفله نزهة الخاطر العاطر للشيخ عبد القادر بن أحمد بن مصطفى بدران الدومى ثم الدمشقى طبع المطبع السلفية بمصر سنة ١٣٤٢ هـ.