للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنع الجمهور منه لأن معنى الآيات ليس عليه وقد نهى أبو بكر رضى الله عنه عن ذلك لما دعى به وقال: لست خليفة الله ولكنى خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولأن الاستخلاف إنما هو في حق الغائب أما الحاضر فلا. والله تعالى حاضر وليس بغائب.

وفى كتاب "الأحكام السلطانية" لأبى الحسن الماوردى (١): الإِمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا.

تلك هي التعريفات التي أوردها العلماء للإمامة والخلافة وهى تكاد تكون متفقة في المعانى والألفاظ وإن كان ابن خلدون قد قال إن الخلافة هي حمل الناس على مقتضى النظر الشرعى في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراحبة إليها، وهذا في الواقع أثر الخلافة وعمل الخليفة ومن ثم قفي ابن خلدون على ما ذكر بقوله: فهى في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به، وهو يجرى في ذلك مع سائر التعاريف.

هل الإِمامة من العقائد وأصول الدين؟!

اتفق أهل السنة والمنزلة والخوارج وسائر الطوائف عدا الشيعة على أن الإمامة ليست عقيدة شرعية ولا أصلا من أصول الدين ..

وتتابع جميع من ذكرنا في تآليفهم وأبحاثهم وكل ما نقل عنهم على أن هذا الموضوع من الأحكام الفرعية العملية حتى ظهر "كتاب الإِسلام وأصول العلم" للمغفور له الأستاذ على عبد الرازق الوزير السابق وعرض فيه المؤلف لموضوع الخلافة وقرر فيما قرره.

أن العلماء المسلمين اتخذوا الخلافة عقيدة شرعية وحكما من أحكام الدين إذ جاء (٢) في هذا الكتاب عند مناقشته العلماء الذين تكلموا في موضوع الإِمامة في استدلالهم على حكمها بالسنة فقال: "نفترض أن الأحاديث التي ذكروها كلها صحيحة وأن لفظ الأئمة وأولى الأمر ونحوهما إذا وردت في لسان الشرع فالمراد به أهل الخلافة فأصحاب الإِمامة العظمى.

وأن البيعة معناها بيعة الخليفة وأن جماعة المسلمين معناها حكومة الخلافة الإِسلامية - نفترض ذلك كله ونتنزل كل هذا التنزل ثم لا نجد في تلك الأحاديث بعد كل ذلك ما ينهض دليلا لأولئك الذين يتخذون الخلافة عقيدة شرعية وحكما من أحكام الدين" وجاء فيه (٣) "وكذلك نشأ بين المسلمين منذ الصدر الأول الزعم بأن الخلافة مقام دينى ونيابة عن صاحب الشريعة عليه السلام.

وكان من مصلحة السلاطين أن يروجوا ذلك الخطأ بين الناس حتى يتخذوا من الدين دروعا تحمى عروشهم وتزود الخارجين عليهم ..

وما زالوا كذلك حتى أفهموا الناس أن طاعة الأئمة من طاعة الله وعصيانهم من عصيان الله. ثم إذا الخلافة قد أصبحت تلصق بالمباحث الدينية وصارت جزء من عقائد التوحيد يدرسه المسلم مع صفات الله تعالى وصفات رسله الكرام ويلقنه كما يلقن شهادة "أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله".

ويظهر أن الذي أوقع صاحب الإِسلام وأصول الحكم في هذا الخطأ ما درج عليه


(١) الأحكام السلطانية لأبى الحسن الماوردى ص ٥ طبع مصطفى الحلبى.
(٢) الإسلام وأصول العلم للمغفور له الأستاذ على عبد الرازق ص ٧٨.
(٣) المصدر السابق ص ١٠١ وما بعدها.