للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتطرق إليه البسط بخلاف اليد فكل منهما أدنى من الآخر حفظا من وجه فضمن لمخالفته.

وقال صاحب المغنى: إن أمره بشدها في كمه فأمسكها في يده عند المغالبة لم يضمن وإن فعل ذلك عند غير المغالبة ضمن.

وقال القاضي أبو يعلى أيضا: اليد أحرز عند المغالبة والكم أحرز عند عدمها.

هذا إذا عيّن طريقة حفظها أما إذا أطلق فلم يأمره بوضعها في شيء بعينه فتركها المودَع في جيبه وكان مزرورا أو ضيق الفم أو أمسكها في يده أو شدها في كمه أو في عضده أو تركها في وسطه وشد عليها سراويله لم يضمن إن ضاعت، لأنه لا يعد مفرّطا (١) وإن جاءه بالوديعة في السوق مثلا فقال له: احفظها في بيتك فأمسكها في دكانه أو ثيابه ولم يحملها إلى بيته مع إمكانه فتلفت ضمنها. ويحتمل أنه متى تركها عنده إلى وقت مضيّه إلى منزله في العادة فتلفت لم يضمنها، لأن العادة أن الإنسان إذا أودع شيئًا وهو في دكانه أمسكه في دكانه أو في ثيابه إلى وقت مضيه إلى منزله فيستصحبه معه (٢).

وإن مات شخص وعنده وديعة معلومة بعينها فليس لورثته إمساكها لأن صاحبها لم يأتمنهم عليها وإنما حصل مال غيرهم في أيديهم ويجب عليهم تمكين صاحبها من أخذها إن كان عالما بموته فإن لم يعلم وجب عليهم إعلامه فإن أخروا الإعلام مع الإمكان ضمنوا (٣) وإن أمسك المودَع الوديعة وحبسها عن صاحبها بعد طلبه لها بدون ضرورة فتلفت ضمنها، لأنه صار غاصبا لكونه أمسك مال غيره بغير إذنه بفعل محرم فأشبه الغاصب.

أما إن طلبها في وقت لم يمكن دفعها إليه لبعدها أو لمخافة في طريقها أو للعجز عن حملها أو غير ذلك لم يكن متعديا في إمساكها وترك تسليمها، لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وإن تلفت في خلال إمساكه هذا لم يضمنها لعدم عدوانه. وإن قال: امهلونى حتى أقضى صلاتى أو آكل فإنى جائع أو أنام فإنى ناعس أو ينهضم عنى الطعام فإنى ممتلئ أمهل بقدر ذلك (٤).

[إمساك اللقطة والضالة]

إذا ردّ العامل - في الجعالة - اللقطة أو الحيوان الضائع ونحوه كالعبد الآبق لم يكن له إمساك المردود وحبسه عن الجاعل لاستيفاء الجعل، فإنْ حَبَسَه لاستيفاء ذلك وتلف ضمنه (٥) ويحرم التقاط وإمساك الضوال التي تمتنع من صغار السباع لكبر جثتها كإبل وخيل أو لطيرانها أو لسرعة عدوها كظباء، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها".

وهذا النوع لا يملكه ملتقطه بتعريفه، لأنه متعد بأخذه كالغاصب لعدم إذن المالك والشارع وإن أنفق الملتقط على ما ذكر لم يرجع على ربه بما أنفق عليه، لتعديه بالتقاطه وإمساكه (٦).


(١) المغنى لابن قدامة مع الشرح الكبير جـ ٧ ص ٢٨٧ طبعة بمطبعة المنار سنة ١٣٤٨ هـ.
كشاف القناع وشرح المنتهى بهامشة جـ ٢ ص ٣٩٨، ٤١٤ الطبعة السابقة.
(٢) المغنى لابن قدامة والشرح الكبير جـ ٧ ص ٢٨٧ طبعة أولى لمطبعة المنار.
(٣) المغنى لابن قدامة جـ ٦ ص ٣٩٤ طبعة ثالثة طبعة المنار.
(٤) المرجع السابق ص ٣٩٢ طبعة ثالثة لمطبعة المنار.
(٥) كشف القناع السابق جـ ٢٠ ص ٤١٨ الطبعة السابقة.
(٦) المرجع السابق ص ٤٢١، ٤٢٢ والحديث المذكور رواه البخارى ومسلم عن زيد بن خالد (انظر: نيل الأوطار للشوكانى جـ ٥ ص ٢٣٨) الطبعة الأولى بالمطبعة العثمانية المصرية سنة ١٣٥٧ هـ