للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللغة، ولا يعرف نحوى أصلا غير ما ذكرنا.

ولذلك أوجبنا أن يكون القرء فى حكم العدة هو الطهر خاصة دون الحيض وان كان القرء فى اللغة واقعا على الحيض كوقوعه على الطهر ولا فرق.

ولكن لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر. فتلك العدة التى أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء» فكان قوله صلّى الله عليه وسلم «تلك» اشارة تقتضى بعيدا، وأبعد مذكور فى الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «تطهر» فلما صح ان الطهر بهذا الحديث هو العدة المأمور أن تطلق لها النساء صح أنه هو العدة المأمور بحفظها، لاكمال العدة (١).

كما أن ابن حزم قصد بالاشارة حركة أحد أعضاء الجسم، وذلك قوله: وقد يرد البيان بالاشارة على ما فى حديث كعب بن مالك مع أبى حدرد، اذ أشار اليه صلّى الله عليه وسلم بيده أن ضع النصف (٢).

[حكم ما اذا تعارضت الاشارة والعبارة]

جاء فى كشف الاسرار: أن العبارة والاشارة سواء فى ايجاب الحكم - أى فى اثباته - لأن الثابت بكل واحد منهما ثابت بنفس النظم.

وليس معنى هذا أنه لا يقع تفاوت بين العبارة والاشارة، بل أنه يجوز أن يقع بينهما تفاوت فى غير ايجاب الحكم مثل كون كل واحد منهما قطعيا وغير قطعى، لأن العبارة قطعية، والاشارة قد تكون قطعية وغير قطعية.

قال القاضى الامام فى التقويم: ثم الاشارة من النص بمنزلة التعريض والكناية من الصريح والمشكل من الواضح، اذ لا ينال المراد بها الا بضرب تأويل وتبيين، ثم قد يوجب العلم بموجبها بعد البيان، وقد لا يوجب.

وذكر فى بعض الشروح أنهما سواء فى ايجاب الحكم، أى يثبت الحكم بهما قطعا، الا أن الوجه الثابت بالعبارة عند التعارض أحق من الثابت بالاشارة، لكون الثابت بالعبارة مقصودا، بينما الثابت بالاشارة غير مقصود.

مثال ذلك ما قاله الامام الشافعى رحمه الله تعالى: لا يصلى على الشهيد لقوله تعالى «وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ٣» سيقت هذه الآية لبيان منزلة الشهداء وعلو درجاتهم عند الله تعالى:

وفيه اشارة الى أنه لا يصلى عليهم، لأن الله تعالى سماهم أحياء، وصلاة الجنازة غير مشروعة على الحى، ولكن قوله تعالى: «وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ٤» عبارة فى


(١) الاحكام فى أصول الاحكام للحافظ‍ أبى محمد على بن حزم الظاهرى ج ٤ ص ٢٧ الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة ١٣٤٥ هـ‍
(٢) الأحكام ج‍ ١ ص ٨٣ الطبعة السابقة.
(٣) الآية رقم ١٦٩ من سورة آل عمران.
(٤) الآية رقم ١٠٣ من سورة التوبة.