للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى قول من لا يرى انقطاع الخيار ان أكره أحدهما على فرقة صاحبه انقطع خيار صاحبه كما لو هرب منه وفارقه بغير رضاه ويكون الخيار للمكره منهما فى المجلس الذى يزول عنه فيه الاكراه حتى يفارقه. وان أكرها جميعا انقطع خيارهما لأن كل واحد منهما ينقطع خياره بفرقه الآخر له فأشبه ما لو أكره صاحبه دونه. وذكر ابن عقيل من صور الاكراه ما لو رأيا سبعا أو ظالما خشياه فهربا فزعا منه أو حملهما سيل أو فرقت ريح بينهما (١).

[الاكراه فى الوديعة]

[مذهب الحنفية]

لو أن لصا أكره رجلا بالحبس على أن يودع ماله هذا الرجل فأودعه فهلك عند الوديع وهو غير مكره بالفتح لم يضمن الوديع ولا المكره بالكسر شيئا. أما المكره بالكسر فلأن التهديد بالحبس لا يجعل الدفع من صاحب المال منسوبا اليه. وأما الوديع فلأنه قبض المال بتسليم صاحبه اليه ليرده عليه وذلك غير موجب للضمان. وهذا لأن فعل التسليم مقصور على المالك فانه لم يكن ملجأ اليه. وانما هو غير راض به فهو كمن أودع ماله غيره عند خوفه من اللصوص أو عند وقوع الحريق فى داره وهناك لا يضمن الوديع اذا هلك فى يده بغير صنعه. وان كان أكرهه بوعيد تلف فلرب المال أن يضمن الوديع وان شاء ضمن المكره بالكسر لأن فعله فى التسليم صار منسوبا الى المكره بالكسر للالجاء فكأن المكره بالكسر هو الذى باشر الدفع اليه فيكون كل واحد منهما جانيا فى حق صاحب المال وأيهما ضمن لم يرجع على صاحبه بشئ لأن المكره ان ضمن فانما يضمن بكون الدفع منسوبا اليه. ولو كان هو الذى دفعه اليه وديعة لم يرجع على الوديع بشئ وان شاء ضمن الوديع لأنه كان فى القبض طائعا وبذلك صار ضامنا.

وأيضا لم يكن فى هذا القبض عاملا للاكراه لأنه لم يقبض ليسلمه الى المكره. ولو أكره بوعيد تلف أو حبس على أن يأمر رجلا بقبض المال فأمر بقبضه والمأمور غير مكره فضاع فى يده فالقابض ضامن للمال لأن الأمر قول من المكره والاكراه بالحبس يبطل قوله فى مثله (٢).

[مذهب الشافعية]

لو أكره ظالم الشخص حتى سلمه وديعة كانت عنده فللمالك تضمينه فى الأصح لتسليمه ثم يرجع على الظالم. ومقابل الأصح ليس له تضمينه للاكراه ويطالب الظالم. وله على الأول مطالبته أيضا. ولو أخذها الظالم من الوديع قهرا فلا ضمان على الوديع (٣).

[مذهب الزيدية]

تصح الوديعة بين جائزى التصرف فلا تصح من مكره سواء كان مودعا أو وديعا (٤).


(١) المغنى ج‍ ٤ ص ٩، والشرح ص ٦٤.
(٢) المبسوط‍ ج‍ ٢٤ ص ١١٩، ١٢٠.
(٣) المحلى على المنهاج ج‍ ٣ ص ١٨٥.
(٤) شرح الأزهار ج‍ ٣ ص ٥٠.