للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أولا: حكم الامتناع من نفقة الزوجية]

[مذهب الزيدية]

جاء في شرح الأزهار أن الزوج إذا غاب أو تمرد عن إنفاق زوجته فإنه ينفق عليها الحاكم من مال ذلك الغائب إذا كانت غيبته بريدا، وقيل وقت حاجتها لأن الغيبة في باب النفقات الذي يتضرر من هي له، فإن لم يجد أنفق عليها من دونه إن غلب في ظنه صدقها، وإنما ينفق الحاكم عليها بعد أن يطلب منها كفيلا بالوفاء إذا انكشف خلاف ما ادعت، وإذا انكشف أن الزوج قد كان سلم لها نفقتها كان بيع الحاكم بالملا غير نافذ. ولا بد مع طلب الكفيل منها من أن يحلفها الحاكم أنه لم يعطها شيئا، فإن نكلت لم تعط شيئا إلا أن يكون نكولها استحياء وحشمة أو أنفة. وإذا قدم الزوج فهو على حجته. وكما ينفق الحاكم عليها من مال الغائب ينفق عليها من مال المتمرد الحاضر - ولو من دينه على الغير - ويبيع عليه العروض، كما يأخذ عليه الدراهم والدنانير إذا وجدها له ويلزم الزوج البخيل نفقة الزوجة بأى وجه أمكنه من تكسب - فيما يليق به من غير تعب زائد على المعتاد ولا دناءة - أو مسألة أو استدانة، وللحاكم أن يستدين عنه مع الغيبة أو التمرد، ويحبسه للمكسب إن امتنع منه إذا طلبت الزوجة حبسه، لا كسائر الديون فإنه لا يؤخذ فيها بذلك لأنها آكد من الدين بدليل قول الله عز وجل: "وعلى المقتر قدره" (١) وقوله سبحانه وتعالى في الدين: "وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة" (٢). ولا يجوز له فسخ النكاح بينهما عندنا، وحاصل الكلام أن من لم ينفق على زوجته له ثلاث حالات الأولى: أن يكون ذلك لتمرده عن النفقة مضارة وهو قادر عليها فقال في الشرح لا ينفسخ بينهما بالإِجماع، والعلة أنه يمكن إجباره، قال في الانتصار: فإن لم يمكن إجباره فسخ على قول من أثبت الفسخ. الحالة الثانية: أن يكون ذلك لغيبته ولا مال له، قال في الشرح: لا يفسخ بالإِجماع وجعل هذا حجة عليهم لأنه لا يمكن إجباره فكان حجة عليهم، وقال في الانتصار يفسخ وقواه صاحب الأزهار كما قواه في البحر. الحالة الثالثة: أن لا ينفق للإِعسار فمذهبنا أنه يتكسب فإن توانى فرق بينه وبين مداناتها إن تعذر إجباره، فإن عجز من غير توان فقيل لا يفرق بينهما، وقال في الانتصار إذا أعسر بالنفقة ولم يقدر على التكسب فللمرأة ثلاثة خيارات؛ الأول: أن تمكنه من الاستمتاع ونفقتها في ذمته. الخيار الثاني: أن تمنع نفسها ولا تستحق النفقة. الخيار الثالث: الفسخ، وفد اختلف في الفسخ للإعسار والتمرد والغيبة؛ فعند القاسمية: لا يفسخ النكاح واحتج على ذلك في الشرح من الكتاب والسنة والقياس، أما الكتاب فقول الله عز وجل: "ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها" (٣). وأما السنة فلم يرد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فسخ نكاح المعسر مع إعسار كثير من الصحابة، وأما القياس فعلى الغائب والمتمرد. القول الثاني: أنه يفسخ واحتج على ذلك من الكتاب والسنة والقياس، أما الكتاب فقوله عز وجل: "فإمساك بمعروف أو تسريح


(١) الآية رقم ٢٣٦ من سورة البقرة.
(٢) الآية رقم ٢٨٠ من سورة البقرة.
(٣) الآية رقم ٦٢ من سورة المؤمنون.