يقال له ادفع أو افد، لأنه إذا لم يعلم بالجناية لم يصر مختارا.
ولو كان بعد العلم بالجناية فعليه الفداء لأنه إذا باعه بعد العلم بالجناية فقد صار مختارا للفداء لتعذر الدفع لزوال ملكه بالبيع.
ولو قطع العبد يد إنسان أو جرحه جراحة فخير فيه فاختار الدفع ثم مات من ذلك فالدفع على حاله لا يبطل، لأن وجوب الدفع لا يختلف بالقتل والقطع، لأنه يدفع فى الحالين جميعا.
وإن اختار الفداء ثم مات يبطل الاختيار ثم يخير ثانيا عند محمد استحسانا.
وهو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الأول، والقياس ألا يبطل وعليه الدية وهو قول أبى يوسف الأخير، ولم يذكر فى ظاهر الرواية قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى.
وذكر الطحاوى قوله مثل قول محمد رحمه الله تعالى.
ولو كان اختار الفداء بالإعتاق بأن أعتق العبد للحال حتى صار مختارا للفداء ثم مات المجنى عليه لا يبطل الاختيار ويلزمه جميع الدية قياسا واستحسانا.
ووجه القياس أن المولى لما اختار الفداء عن أصل الجناية فقد صح اختياره ولزمه موجبها بالسراية لم يتغير أصل الجناية وإنما تغير وصفها والوصف تبع للأصل، فكان اختيار الفداء عن المتبوع اختيارا عن التابع.
ووجه الاستحسان أن اختيار الفداء عن القطع لما سرى إلى النفس ومات فقد صار قتلا وهما متغايران، فاختيار الفداء عن أحدهما لا يكون اختيارا عن الآخر، فيخير اختيارا مستقبلا.
بخلاف ما إذا كان الاختيار بالإعتاق، لأن إقدامه على الإعتاق مع علمه أنه ربما يسرى إلى النفس، فيلزمه كل الدية، ولا يمكنه الدفع بعد الإعتاق دلالة اختيار الكل والرضا به، وهذا المعنى لم يوجد هاهنا، لأنه لم يرض بالزيادة على ما كان ثابتا وقت الاختيار والعبد للحال محل للدفع.
[صفة الفداء الواجب]
والفداء (١) الواجب عند الاختيار يجب فى ماله حالا لا مؤجلا، لأن الحكم الأصلى لهذه الجناية هو وجوب الدفع والفداء كالخلف عنه فيكون على نعت الأصل. ثم الدفع يجب حالا فى ماله لا مؤجلا فكذلك الفداء.
[الفداء فى جناية العبد المدبر]
واذا كان العبد القاتل مدبرا فجنايته على مولاه إذا ظهرت وأصل الواجب بجناية المدبر قيمته على المولى، لإجماع الصحابة رضى الله تعالى عنهم. فإنه روى عن سيدنا عمر وأبى عبيدة بن الجراح رضى الله تعالى عنهما أنهما قضيا بجناية المدبر على مولاه بمحضر من الصحابة ولم ينقل أنه أنكر عليهما أحد منهم، فيكون إجماعا من الصحابة، ولأن الأصل فى
(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لعلاء الدين أبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج ٧ ص ٢٦٦ الطبعة السابقة.