للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أثر لحوق الوكيل أو الموكل

بدار الحرب فى الوكالة

جاء فى المبسوط‍ (١): يصح توكيل المسلم أو الذمى أو الحربى المستأمن فى دار الاسلام بخصومة أو بيع أو غير ذلك لأن المسلم والذمى من أهل دار الاسلام وهو يملك الخصومة بنفسه فيملك ان يوكل الحربى المستأمن بها فان كان الحربى الموكل مستأمنا فلحق بدار الحرب وكان موكله مسلما أو ذميا انقضت الوكالة لتباين الدارين حقيقة وحكما وذلك قاطع لأقوى أنواع العصمة وهو النكاح فلأن يقطع الوكالة بالخصومة أولى. واذا كان الذى وكله حربيا من أهل داره ففى القياس تبطل الوكالة أيضا لما قلنا ولكن استحسن عدم بطلان الوكالة لاتفاق الدارين حكما قد انعدم صورة. واذا وكل المستأمن مستأمنا بخصومة ثم لحق الموكل بدار الحرب وبقى الوكيل يخاصم فان كان الوكيل هو الذى يدعى للحربى الحق قبلت الخصومة فيه وان كان الحربى هو المدعى عليه ففى الاستحسان كذلك اعتبارا لأحد الجانبين بالآخر وتحقيقا للتسوية بين الخصمين وفى القياس تنقطع الوكالة حين يلحق بدار الحرب وبالقياس نأخذ لأن المقصود من الخصومة القضاء وانما يكرهه القضاء على الموكل دون الوكيل الا ترى ان فيما يقيم من الحجة عليه يراعى دين الموكل دون الوكيل واذا رجع الموكل الى دار الحرب حربيا لا يبقى لقاضى المسلمين عليه ولاية الزام القضاء فلهذا تبطل الوكالة فاما اذا كان الموكل هو المدعى فانما يوجه القاضى القضاء على الخصم الذى هو فى دار الاسلام لخصومة وكيل الحربى وله هذه الولاية فلهذا بقيت الوكالة ولو وكل المستأمن ذميا ببيع متاع أو بتقاضى دين سوى الخصومة ثم لحق بدار الحرب فهو جائز لأن ابتداء التوكيل وهو فى دار الحرب صحيح فبقاؤه أولى قال وان كان الموكل ذميا والوكيل مستأمنا فلحق المستأمن بدار الحرب بطلت الوكالة لأن الذمى من أهل دارنا كالمسلم ومن هو فى دار الحرب حقيقة وحكما فى حق من هو فى دار الاسلام كالميت فكما لا تبقى الوكالة بعد موت الوكيل فكذلك يعد لحوقه بخلاف ما اذا كان الموكل حربيا لأنه من أهل تلك الدار حكما فلا يصير الوكيل باللحوق بالدار فى حقه كالميت وان وكل المرتد وهو فى دار الحرب وكيلا ببيع شئ من ماله فى دار الاسلام لم يجز لأن بلحوقه بالدار زال ماله عن ملكه وصار فى حكم الميت ولهذا يقضى بالمال لوارثه لأنه انما وكل ببيع مالا يملك بيعه بنفسه فان أسلم بعد ذلك لم تجز الوكالة لأنه لما لم يكن مالكا عند التوكيل تعينت جهة البطلان فى وكالته فلا تنقلب صحيحة بعد ذلك بعود الملك اليه ألا ترى أنه لو باع بنفسه ثم أسلم لم ينفذ ذلك البيع ولو وكله وهو مسلم ثم ارتد ثم أسلم قبل لحاقه بدار الحرب فهو على وكالته فى جميع ذلك لأن ملكه لم يزل قبل لحاقه بل توقف وباسلامه قبل لحاقه يعود ألا ترى أنه لو باع بنفسه ثم أسلم نفذ البيع فكذلك تبقى وكالة الوكيل فى جميع ذلك ما خلا النكاح لأنه بالردة خرج من أن يكون مالكا للنكاح بنفسه فتبطل الوكالة به أيضا ثم لا يعود الا بالتجديد ولو لحق بدار الحرب مرتدا ثم جاء مسلما فالوكيل على وكالته الا أن


(١) المبسوط‍ لشمس الدين السرخسى ج‍ ١٩ ص ١٣٨ وما بعدها الطبعة السابقة.